الشيخ الحماد الذي عرفت
عايشت عديدا من المواقف المختلفة في حياة بعض الدعاة من خلال جولات دعوية، أو مناسبات مختلفة، أو مقابلات خاصة في أحضان الصحافة، ولا أخفيكم أنني تأثرت كثيراً وأنا أستعرض بعض هذه المواقف لأن بعضها يشعر الإنسان بأهمية الواجب الدعوي، وبركة التضحية بالوقت في سبيل همّ يسيطر على عقل بعض الدعاة، ولعل من المواقف التي استوقفتني وأتذكرها باستمرار تلك الرحلة التي جمعتني مع الداعية المؤثر فضيلة الشيخ عبد الله بن حماد الرسي ـ متعه الله بالصحة والعافية ـ إضافة إلى أحد الإخوة المحبين للدعوة وهو الأخ محمد الحقوي, حيث كانت هذه الرحلة عام 1415هـ إلى مدينة جازان, وتحديداً قرية الحقو، وكشفت لنا الرحلة صفات عديدة ربما لا يعرفها البعيدون عن فضيلة الشيخ الحماد ـ حفظه الله ـ الذي عُرف عنه سرعة التأثر في موعظته ويصل تأثير ذلك إلى السامعين؛ ولكن ذلك لم يمنعه من إضفاء روح المرح على مرافقيه، وسرد بعض الأحداث الجميلة الواقعية كان يربطها بالدعوة، ولم نشعر خلال الرحلة البرية التي استغرقت قرابة 12ساعة بالوقت وهو يمضي فلقد استمتعنا بمواعظه وكلماته وأحاديث أخرى في جوانب الحياة.
وعرفنا خلال هذه الرحلة أنه لا يستخدم الطائرة مطلقاً في رحلاته ويفضل السيارة لرغبته في الاستفادة من وقت السفر بشكل أكبر في رحلته, ولا أخفيكم أن الشيخ يؤثر كثيرا بصفاته وبحديثه في سامعيه في مثل هذه الجولات الدعوية، و كان فضيلته له ورد يومي من أذكار الصباح والمساء لا ينقطع عنه وورد في قراءة القرآن وكان ورده الصباحي يستغرق وقتا طويلا من بعد صلاة الفجر وبشكل يومي ويتفرغ لذلك ولا يشغله عنه شيء، ويخرج نفسه من هموم الدنيا، ومن الطبيعي نجد مثله من الحريصين على الجانب الدعوي أن يستغل كل خطوة يخطوها في هذا الجانب مع من يلتقي بهم خصوصا في تلك القرية الجميلة ببساطة أهلها وحبهم للضيوف, خاصة إذا كانوا من الدعاة, وأعني بها قرية الحقو، كانت لتلك الرحلة مكانة خاصة لدى أهل قرية الحقو الذين ما إن نلتقي بعضهم في مناسبات مختلفة عند زيارتهم الرياض إلا ويبادرون بالسؤال كيف صحة الشيخ الحماد؟ ولماذا لا يكرر زيارته لنا؟
كانت تلك الزيارة تمثل محطة دعوية مهمة في حياة شباب القرية العاملين في مجال الدعوة، وقد عمّ خير تلك الجولة الدعوية قرى ومحافظات مختلفة في منطقة جازان، وكان الحضور لتلك المحاضرات كبيراً، وحققت أثرا طيبا في نفسيات الناس لتميز الشيخ بأسلوبه الوعظي المعروف الذي يأسر قلوب سامعيه، وكان إلى جانب ذلك برنامج آخر يمثل جلسات وزيارات ميدانية لبعض المدارس ومراكز الدعوة وبعض المشايخ, واستفاد الناس من تلك الجولة الجميلة والزيارة الماتعة لذلك الشيخ الفاضل، وكذلك لا أنسى تقدير فضيلته المشايخ والقضاة، فكان يرفض الإجابة عن أسئلة الفتاوى في حضرة قاضي بيش آنذاك محمد شامي, فكان يصر على أن يرد الشيخ محمد شامي على الفتاوى تواضعاً منه، وإلا فهو يجيب عن بعض الفتاوى في مسجده في الرياض. والحقيقة أن هذا الخلق النبيل ليس بغريب عليه، وهو الذي يذكرنا في تواضعه الجمّ وحبه للناس ببعض صفات الورعين والزهاد من السلف الصالح، وفقه الله لما يحب ويرضى.
ولا أنسى ذلك الموقف المؤثر لفضيلته عندما حدث لي ظرف عائلي يتطلب سفري إلى مكة لزيارة والدتي، فكان الشيخ يفضل بقائي معهم، ولكن الظروف كانت أكبر ولم أستطع التغلب عليها، واستمرت رحلة الشيخ الدعوية من السبت إلى الأربعاء خمسة أيام بالتمام والكمال قضاها هناك وأفاد الناس، ونسأل الله أن يكون ذلك في ميزان حسناته.