رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ألا توجد حلول منطقية تنظم سوق السلاح والذخيرة في بلادنا؟

الأمن نعمة جليلة يمتن الله بها على عباده، وقد بينها، سبحانه وتعالى، في مواطن كثيرة في كتابه العزيز، وما فتئ رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام يذكّر أصحابه بقيمة الأمن في أحاديث كثيرة. كما أثبتت الدراسات والأبحاث النفسية والسلوكية والاجتماعية أهمية هذه النعمة ومن أبرزها ما قام به عالم الاجتماع "أبراهام ماسلوا" في أنموذجه المعروف بـ "سلم الحاجات"حينما وضع الأمن في المرتبة الثانية بعد المأكل والمشرب، موضحاً أن الأمن حاجة ملحة إلى بقاء العنصر البشري، واستقراره، وعطائه، وزيادة إنتاجيته.
ونعلم جميعا أن لا حياة ولا سعادة ولا دولة ولا تنمية من دون الأمن، وقد أدركت بلادنا هذه الحقيقة فقامت بجهود مضنية وبذلت أموالاً سخية من أجل ترسيخ واستقرار الأمن، كما أوكلت مهمة استتباب الأمن إلى جهة حكومية تعد من أبرز وأوسع وأقدر مؤسسات الدولة.
وما دفعني لكتابة هذا المقال أمور عدة كان من أبرزها: المهام الجسام التي تواجه رجال الأمن في بلادنا، فرغم تفانيهم، وسهرهم، وإخلاصهم، إلا أنهم لا يستطيعون تغطية الأطوال الشاسعة والأجزاء المتناثرة من هذه القارة المترامية فكان لزاما علينا نحن المواطنين أن نقدم لهم يداً وأن نكون لهم عوناً، وها هو سمو وزير الداخلية يذكرنا بين الوقت والآخر بأن المواطن هو رجل الأمن الأول.
إلا أن هناك عوائق تقف أمام المواطنين عندما يريدون المساهمة في استتباب الأمن من أهمها: إجراءات الحصول على سلاح وذخيرة، فحاجة المواطن إلى السلاح ملحة ولا يمكن أن يستغنى عنها في حل أو في سفر لأسباب عديدة منها:

1. البعض يعشق اقتناء وحمل السلاح وكأنها فطرة جُبل الناس عليها وزينة يتحلون بها، كما أن بلادنا مزيج من بدو وبحارة ينسابان من قبائل عريقة يمثل السلاح فيها ركيزة أساسية.

2. السلاح جزء من موروثنا الشعبي فكثير من العرضات الشعبية لا يمكن أداؤها من دون سلاح مدعم بالذخيرة الحية.

3. ينتشر في مجتمعنا، كما في مجتمعات العالم، شواذ البشر من مجرمين، ولصوص، وقطاع طرق، قد يسطو بعضهم على الدور الآمنة في جنح الظلام ولا يردعهم إلا هيبة السلاح.

4. و الأهم من ذلك أن كثيراً من المواطنين يضطرون إلى السفر برا متنقلين بين مدن المملكة بل قد تخطوا أقدامهم خارج حدود بلادهم فيقطعون الفيافي الشاسعة يمرون بمناطق يصعب وصول يد الأمن إليها وليس لهم صاحب في السفر إلا الله ثم السلاح يذودون به عن أعراضهم، وأرواحهم، وممتلكاتهم عبر هذه المسافات الشاسعة.

من هنا علينا أن نعي أن اقتناء السلاح ضرورة ملحة لا يمكن أن يستغني عنها المواطنون الحاضر منهم والباد، إلا أن إجراءات اقتناء سلاح مرخص عملية معقدة يشوبها عدم التنظيم وعدم الوضوح تصل إلى مرحلة السذاجة.
فإذا أراد المواطن اقتناء سلاح فما عليه سوى المغامرة في التعامل مع أحد منافذ موزعي السلاح يشترى منه بغيته ثم يقدمه لمركز الشرطة قبل أن يفتضح أمره لترخيصه بالحمل أو بالاقتناء، والشيء العجيب أن مركز الشرطة يتحاشى الخوض في معرفة مصدر بيع السلاح لأنه يعلم أنه أدخُل البلاد بطريقة غير نظامية. والسؤال الآن: ألا توجد حلول منطقية تنظم حمل واقتناء السلاح والذخيرة عن طريق إنشاء سوق واضحة المعالم مرخصة من الدولة تبيع وتشتري وترخص السلاح في وضح النهار حتى تعفي الناس من اللجوء إلى تلك الطرق الملتوية.
ما ضرها الجهات المعنية لو قامت بالترخيص لشركات تبيع السلاح والذخيرة للمواطنين لها حق شراء وبيع وإصدرا التصاريح تمكن المواطن من الحصول على سلاح مرخص معروف الصناعة والتوزيع، بل يمكن صيانته واستبداله في حالة عطبه ويمكن بيعه مرة أخرى إذا رغب المواطن في ذلك. كما يجب ربط مراكز بيع السلاح ببرنامج وزارة الداخلية حتى يسهل توثيق البيانات والمعلومات عن السلاح وحامله. وهذه الآلية تتعامل بها عدة دول متقدمة ونامية لأنها تحقق عدة فوائد منها: تضييق نطاق عمل السوق السوداء، تقليل البيروقراطية، تخفيض أسعار السلاح.
وماذا لو ذهبنا إلى أبعد من ذلك وتجرأنا بإقامة مصنع للسلاح أو الإيعاز للمصانع الحربية بالخرج أن يكون ضمن منتجاتها خط خاص بإنتاج السلاح الشخصي، والمثال بين أيدينا فقد قامت شركة "دوجلاس" المتخصصة في صناعة الطائرات العسكرية باستحداث خطوط لإنتاج الطائرات المدنية في مصنعها إبان المنافسة الحادة بين شركات الطيران بعد الحرب العالمية الثانية، فدخلت "دوجلاس" سوق الطائرات النفاثة التجارية رغما عنها لأن الواقع يحتم عليها ذلك وقامت بإنتاج أول طائرة مدنية أطلق عليها "دي . سي".
وفي مقالات قادمة بإذن الله سنلقي الضوء على تجارب الدول الأخرى في هذا المجال مذيلة بعدد من المقترحات يمكن الاستئناس بها عند الشروع في معالجة قضية كهذه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي