رجالات الدولة.. كيف يصُنعون؟!

قد يستغرب القارئ العزيز هذا السؤال، وهل تتم صناعة الرجال؟ نعم وبالذات في هذا العصر الذي يحتاج إلى رجالات من نوع استثنائي وبقدرات خاصة وكفاءة مميزة لخدمة أوطانهم وشعوبهم. فالتحديات كبيرة ومتداخلة وتتطلب قدرات خارقة لمواجهتها. وقد يكون وصول رجل مثل باراك "حسين" أوباما إلى سدة الحكم في البيت الأبيض المحرك الأساس لطرح مثل هذا التساؤل.. حيث ودون الخوض في تاريخه نجد أن الرجل وكأنه جاء من (لا مكان) جغرافياً ليتسنم القرار الأول في البيت الأبيض وعملياً رئيس للعالم برمته. فهل صنع أوباما نفسه، أم أن هناك (أوباميين) صنعوه، وصنعوا غيره من قبل، وسيصنعوا أمثاله من بعد! أم أن الحظ وحده هو الذي جعل رجلاً مثل أوباما (بسحنته) ( الشرق أقصوية) توجهاً، يكون رئيساً لأمريكا! أعتقد أن الشعوب وأنظمتها هي من تصنع الرجال، ومن بعدهم (الرؤساء). وبالتالي أمريكا صنعت أوباما وتستطيع أن تصنع مثله عشرات إن لم يكن مئات، مثلما صنعت من قبلة من الرؤساء وغيرهم من رجالات القيادة في أمريكا كأهم حضارة سائدة اليوم!!!
تتطلب هذه الصناعة أن يكون هناك نظام إنتاج واضح المعالم وواضح المكونات وذو تفاصيل واضحة للمواد الأولية التي تحتاج إليها خطوط الإنتاج بشكل دقيق للخروج بهذا المنتج (رجالات الدولة). نحتاج (كعرب) إلى تحديد واضح لتكلفة هذا الإنتاج! ولنظام واضح لقياس جودة الإنتاج الأولي والنهائي. ونظام واضح لفرز في مرحلة معينة من الإنتاج. إنها حقيقة صناعة الرجال لخدمة الأهداف الوطنية والرسالة البشرية التي تود أن تتبناها أي أمة، إذا كان لها رسالة، لا (أشباه) رسائل (تخديرية) ومسكنة! وهنا يبرز سؤال بسيط، هل نستطيع معرفة كم من الخامات الجيدة (طُـحنت) بسبب غياب كامل لمثل تلك المقومات المطلوبة لصناعة الرجال؟ وهنا ليحاول كل منا التعرف على كم من الكفاءات حوله (دهست) وبدم بارد!!! مرة باسم (السيد النظام)، وأخرى بعباءة ( الوصول السريع)، وثالثة تحت بند (حنا أبخص)! وزيدوا في القائمة ما شئتم، كل حسب تجاربه الإنسانية البسيطة!
هناك أشياء كثيرة في حياتنا لا نشعر بها، إلا عندما نفقدها أو نشعر بقرب فقدانها، وليس لدينا بديل جاهز عنها، أو قد يكون موجوداً وغير معلومه. وأنا وغيري كأبناء لهذا البلد نحمد الله على أن جيلنا ولد في عز طفرته الأولى (السبعينيات من القرن الماضي) ونشأنا والكثير من الأمور أصبحت مسلمات بالنسبة لنا، وأولها التعليم والصحة والأمن والأمان وهي كلها لم تكن متوافرة للأجيال التي سبقتنا. ولست متأكدا ولكن جيل أولادي قد يكونون أسعد حظا من جيلي بإذن الله، مع بعض القلق الذي لا يعني سوى ضرورة الحذر مما تخبئه الأيام، والعمل على أن يكونوا فعلا أسعد منا. والمحصلة أن تلك المسلمات لم تأت من فراغ أو بالصدفة.
رجال كثر لا يسع المقام لذكرهم خدموا هذا البلد وعملوا على رفع رايته لا يختلف عليهم اثنان، حتى أعدائهم شهدوا لهم بهذا الفضل وبالتأكيد على رأسهم مؤسس هذا البلاد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ورجاله الأوائل. وهناك من رجال الدولة من لا يعرفهم إلا الخاصة وهو بذلوا أرواحهم والبعض كل حياتهم في خدمة أوطانهم انطلاقا من مبدأ، أو هدف أو عقيدة وليس لشيء آخر. ولكن ولنكن أكثر صراحة، كم من الذين لم ينُصفوا لسبب أو آخر؟ وهناك من تكونت صور سلبية عنهم ولم تتغير هذه الصورة رغم الجهود التي بذلوها لتغيير تلك الصور السلبية عنهم. وهناك وهناك.... الكثير. علينا كما هو العهد كمجتمع بكامل أطيافه والتي آمل أن تزداد تنوعاً آثرا لنا بعيداً عن محاولات هذا الطرف أو ذاك تصويراً بشكل معين، وأن تكون لدينا الشجاعة الكافية لمواجهة التحديات على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية بشكل جماعي بعيداً عن الانفراد أو الأجندات الخاصة. التحديات هذه الأيام متداعية وتأتي كطلاسم ومن الصعوبة على فرد مهما أوتي من قوة وقدرة وكفاءة من فك شفراتها وحده أو حسب أسلوبه!!
بيت القصيد أن المملكة لم تعد ذلك البيت الصغير الذي يدار من قبل رب العائلة بالرحمة والرأفة والمودة بين أفراد . فبكبر البيت تكبر المسؤوليات ويتعدد الأفراد ويقل التواصل وتزداد المطامع الشخصية وتزداد الأنانية وتخف العلاقات الاجتماعية وتبرز وسائل اتصال مع الآخر مما تجعله هذا الآخر في بعض الحالات أقرب من أحد أفراد العائلة. وأكبر دليل على كبر البيت وزيادة مسؤولياته أننا ضمن أكبر عشرين بيتاً في العالم G20. وبالتالي علينا أن نعيد صياغة طرق صناعة الرجال والنساء الذين تقع عليهم مسؤولية تقدم البلد حسب ما نطمح إليه، بشكل مختلف عن السابق. لأن متطلبات القيادة تغيرت وتعقدت وأصبحت بحاجة إلى رجال ونساء بمواصفات مختلفة عن السابق. كما أن علينا طرح التاريخ وإبراز رجالات الدولة السابقين من باب الاستفادة من تجاربهم الجيدة وأخطائهم إن كانت هناك أخطاء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي