البرازيل تنضم إلى نادي الاحتياطيات النفطية الضخمة
في خطوة رمزية، غمس الرئيس البرازيلي لويز أناشيو دا سيلفا، يده في النفط الذي سيتم تصديره إلى الأسواق العالمية للتأكيد على الأهمية السياسية لهذه الاكتشافات في المناطق المغمورة. وحسب طوني هيوارد رئيس شركة بي. بي، ثاني أكبر شركة نفط أوروبية، فإن الاحتياطيات البرازيلية تعادل ما كان عليه بحر الشمال أيام عزه.
ورغم ذلك، فمن الصعوبة تحديد حجم الاحتياطيات بدقة، لأنها توجد فيما قبل الطبقة الملحية. والحقل الوحيد الذي تم تحديد حجم الاحتياطي فيه بصورة مهنية يقدر بخمسة مليارات برميل، تعادل ما لدى النرويج من احتياطيات نفطية، ولو أن المسؤولين يتصرفون على أساس أن الاحتياطيات ستصل إلى عشرة أضعاف هذا الرقم.
خطة شركة النفط الوطنية بتروبراس تغطي السنوات 2008/2012 وتتطلب إنفاق 112 مليار دولار، لكن يتم تمويل ثمانية مليارات منها فقط ذاتيا. والخطة وضعت على أساس أن سعر البرميل في حدود 35 دولارا، وكذلك قبل الاكتشافات الأخيرة، وهو ما يقوي من موقف "بتروبراس" التفاوضي.
الانتخابات الرئاسية التي ستجري في غضون عامين ستحدد مستقبل الصناعة النفطية، ولو أن التصريحات السائدة تتحدث عن استبعاد لأي مشاركة للشركات الغربية.
شركة بتروبراس تحتل مكانة متميزة لخبرتها في العمل في المياه العميقة، ما يجعلها في وضع أفضل لاستغلال الاحتياطيات المكتشفة. ويفترض أن يتم تقديم هيكل جديد للصناعة النفطية والاتجاه المحبذ لدى الرئيس تأسيس شركة وطنية مملوكة للدولة بنسبة 100 في المائة تتولى أمر الحقول الجديدة وتطويرها بالتعاون مع "بتروبراس" وآخرين.
تتالي الإعلانات عن الاكتشافات النفطية في البرازيل أعطاها ثقلا في أروقة الصناعة رغم علامات الاستفهام التي تحيط بها لعدم وضوح التفاصيل حول حجم الاحتياطي في هذه الإعلانات وتراجع أسعار النفط عالميا.
لكن التقديرات الأولية لبعض الاكتشافات السابقة أن الاحتياطيات التي أعلن عنها قد تحتوي على 33 مليار برميل من النفط والغاز، وإذا تم التأكيد على هذه المعلومات فسيكون هذا أكبر اكتشاف في غضون فترة 32 عاما.
الحقل الذي يفترض أن يحتوي على هذه الكميات هو حقل كاريوكا، الذي يقع في حوض ساندوس، ويلي ما أعلن عن اكتشاف في العام الماضي لحقل توبي، الذي قدرت حجم الاحتياطيات فيه بين خمسة وثمانية مليارات برميل. وإذا تم تأكيد الحجم الجديد من الاكتشافات فستتجاوز البرازيل من ناحية الاحتياطيات كلا من المكسيك والولايات المتحدة بعد أن كانت في المرتبة الثالثة ويرفع مكانها من إلى دولة مصدرة. وقبل ذلك كان حجم الاحتياطي النفطي البرازيلي في حدود 12 مليار برميل.
الحقلان المكتشفان يقعان في الأرضية البحرية، أي في مجال المياه العميقة، الأمر الذي سيأخذ وقتا أطول في الاستخراج كما أن التكلفة يمكن أن تكون عالية. ويذكر أن أول بئر حفرت في حقل توبي العام الماضي كلفت 240 مليون دولار.
حقل توبي سينتج في البداية نحو 100 ألف برميل يوميا، يمكن أن تصل إلى مليون برميل في 2020، وهو ما سيتجاوز إنتاج أكبر حقل في ألاسكا وهو برودهو باي. لكن تأسيا بفنزويلا، سحبت قيام البرازيل 41 مربعا كانت معروضة في المزاد على الشركات للتنافس عليها، كما أعلن عن اتجاه لمراجعة القوانين التي تحكم الصناعة النفطية، ولم يستبعد الرئيس دا سيلفا الانضمام إلى (أوبك) ربما في العام 2011 وبعد نمو الإنتاج بصورة ملحوظة.
ويتوقع أن تكون البداية بحفر 100 بئر لتطوير حقل توبي، وهو ما يتطلب إنفاقا يراوح بين 50 و100 مليون دولار للتطوير، علما أن التقديرات أن أول بئر ستكلف 240 مليونا وتحتاج إلى عامين لحفرها، بينما ستكلف الآبار التالية 60 مليونا وتستغرق فترة ستة أشهر في المتوسط لاستكمالها، وسيتم الحفر على عمق 30 ألف قدم وهو يحتاج إلى حفارات معينة يوجد منها نحو 40 فقط في العالم خاصة في تكساس وعلى رأسها الحفارة الشهيرة "ترانس أوشن" العاملة في خليج المكسيك. وبعض هذه الحفارات يكلف 600 ألف دولار في اليوم.
وإذا اتجه حقل توبي إلى إنتاج مليون برميل، فإنه سيحتاج إلى مرافق للتحميل يكلف الواحد منها المليار دولار، علما أن أكبر مرافق التحميل التابعة لشركة بتروبراس الموجودة حاليا تعمل بطاقة 180 ألف برميل يوميا.
أما الاكتشاف الأخير فيمثل تحديا هندسيا، إذ يقع على عمق ستة أميال تحت سطح المحيط وفي طبقة ملحية ذات مكامن ساخنة يمكن أن تذيب الحديد. ويتطلب ذلك معدات لها قدرة على تحمل ضغط عال يصل إلى 18 رطلا في البوصة الواحدة المربعة، كما يحتاج إلى أنابيب يمكنها تحمل درجة حرارة تصل إلى 500 درجة فهرنهايت، والحفر بطريقة قادرة على اختراق طبقات من الملح بسمك يزيد على الميل وبعمق يصل إلى 32 ألف قدم. وتكاد هذه الخصائص تماثل ما تشهده مناطق أخرى مثل غرب إفريقيا وخليج المكسيك المجاور. وعلى كل هناك حاجة إلى فترة ثلاثة أشهر على الأقل لتقييم الوضع الخاص بحقل كاريوكا الجديد، وإذا صدقت التقديرات أنه يحتوي على احتياطي في حدود 33 مليار برميل، فإنه سيكون ثالث حقل في العالم بعد الغوار السعودي وبرقان الكويتي.
كما أن تمويل العمل في الاكتشافات الجديدة يمثل من جانبه تحديا من نوع آخر، وهو ما دفع الشركة الوطنية بتروبراس إلى التفكير في مجال الأوراق المالية وحشد نحو أربعة مليارات دولار عبرها كل عام وحتى 2012 كما تشير بعض التقديرات، وكانت الشركة تقوم باستقطاب نحو 800 مليون دولار سنويا خلال الفترة بين عامي 2001 والعام الماضي في المتوسط. وعمليات الاقتراض هذه يمكن تمديدها على فترة عشر سنوات، علما أن "بتروبراس" عليها ديون في الوقت الحالي تصل إلى 21.9 مليار دولار.
البرازيل تعتبر عاشر مستهلك للنفط في العالم والثالث في غرب الكرة الأرضية بعد الولايات المتحدة وكندا. الإنتاج النفطي يتوقع له أن يبلغ هذا العام 2.64 مليون برميل يوميا، وبما أن الاستهلاك يتجاوز المليوني برميل قليلا، فإن هناك فرصة في وجود فائض قليل يمكن تصديره. وكانت الشركة الحكومية "بتروبراس" تسيطر على كل مرافق الصناعة النفطية في الدولة حتى عام 1997 عندما بدأت بعض إجراءات تخفيف قبضة الدولة على الصناعة والسماح بشيء من حرية الحركة، وعليه تم إنشاء الوكالة الحكومية النفطية لتصبح مسؤولة عن الأداء في القطاع الصناعي وإعطاء التراخيص ومراقبة التنفيذ. وتعتبر شركة رويال داتش شل أول الواصلين من الشركات الأجنبية، وأعقبتها شركة ديفون الأمريكية، لكن تظل "بتروبراس" مسيطرة على 95 في المائة من الإنتاج النفطي في البلاد. وتأتي البرازيل في المرتبة الثانية إنتاجا للنفط بعد فنزويلا وقبل كل من الأرجنتين، كولومبيا، والإكوادور. وهؤلاء الثلاثة ينتجون أقل من مليون برميل يوميا لكل.
والى جانب النفط، فإن في البرازيل احتياطيا من الغاز الطبيعي يبلغ 10.8 تريليون قدم مكعب، لكن لم يتم تطوير إنتاج الغاز الطبيعي حيث أن الإنتاج بلغ 345 مليار قدم مكعب.
ومع موجة الوطنية النفطية المشتعلة في أمريكا اللاتينية بفضل سياسات هيوجو شافيز في فنزويلا، فإن "بتروبراس" ستظل مهيمنة على مسيرة الاكتشاف الأخير والصناعة النفطية عموما في البرازيل. ويتضاعف دورها لسيطرتها على شبكة النقل من خلال الشركة الفرعية "ترانسبيرتو"، التي تدير شبكة طولها أربعة آلاف ميل لنقل الخام إضافة إلى مرافق التحميل.
وللبرازيل طاقة تكريرية في حدود 1.9 مليون برميل يوميا تتوزع على 13 مصفاة تدير "بتروبراس" 11 مصفاة منها، أكبرها تلك التي تقوم بتكرير 360 ألف برميل يوميا وتعرف بمصفاة باوليني في ساو باولو.
الاكتشاف سيسهم في توجيه ضربة إلى نظرية ذروة النفط، خاصة والعام الماضي شهد الإعلان عن اكتشافات نفطية مهمة في كل غانا، الكونغو برازفيل، أنجولا، الجابون، غينيا بيساو، سيراليون، الجزائر، مصر، الكاميرون، نيجيريا، تنزانيا، يوغندا، ساوتومي، وبرنسيب، لكن يبقى توفير حجم الاستثمارات المطلوبة في الوقت الملائم إلى جانب التقنية حتى يمكن استغلال هذه الاحتياطيات.