في ظلال الأزمة .. خطواتنا في الطريق الصحيح

الحديث عن الفرص في ظل الأزمة الحالية هو تحول جديد في التعاطي مع الأزمة الحالية خصوصا على مستوى الدول الناشئة التي لم تتعرض لأزمة حقيقية مقارنة بدول تعاني الأمرين من جراء الأزمة، والتغير هو أن الدولة لم تحاول حماية مركزها المالي والاقتصادي من تبعات الأزمة فقط، بل تعدت ذلك إلى إجراءات استباقية جريئة للاستفادة من هذه الأزمة بإعادة تمركز على مستوى العالم. ولعل من الأمثلة التي سقناها في مقالات سابقة عن إمكانية الاستفادة من الأزمات في خلق اقتصاديات أقوى هو بداية بسيطة لما يمكن أن نسميه التحول الجذري في تموضع الاقتصاد على مستوى العالم.
وخلال الأيام القليلة الماضية أعلنت الحكومة عن حوافز ضريبية للمستثمرين في بعض مناطق المملكة بهدف دعم وتشجيع رؤوس الأموال وتوسيع دائرة الاستثمار لتشمل جميع المناطق خصوصا الأقل نموا، وعدم تركيزها في المناطق الرئيسية، وتضمن قرار مجلس الوزراء عددا من الإجراءات من بينها: منح المشاريع المقامة في المناطق التالية (حائل، الحدود الشمالية، جازان، نجران، الباحة، الجوف) خصماً ضريبياً بنسبة 50 في المائة من تكاليف التدريب السنوي للسعوديين، وخصماً ضريبياً آخر بنسبة 50 في المائة من الأجور السنوية المدفوعة للسعوديين.
ولا شك أن هذا الإصلاح الاقتصادي يأتي في وقته ليخدم أهدافا متعددة سيكون لها مردود كبير على الاقتصاد بشكل عام وعلى التنمية المتوازنة المستدامة للمملكة. فنجد أن تشريعات الإصلاح الاقتصادي يجب أن تستفيد من هذه الأزمة بتسريع التشريعات التي تساهم في خلق بيئة استثمارية صحية والاستفادة من حالة الهلع العالمي في توطين التقنيات عن طريق جذب الاستثمارات النوعية، وخصوصا المملكة التي أصبحت هذه الأيام قبلة الرؤساء والوزراء ورجال الأعمال العالميين طمعا في قليل من النقد الوفير لتحسين الأوضاع الاقتصادية في تلك الدول، فاليوم تعد المملكة من أقل الدول تضررا من الأزمة العالمية وكذلك مخزونها النقدي من ارتفاع أسعار النقط خلال السنوات القليلة الأخيرة، مما يجعلها في موقع متميز لاستغلال هذه الفترة العصيبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي لتكون ملاذا آمنا للشركات العملاقة، ومن منظر آخر الجانب المتعلق بفروقات السيولة، فالمملكة تتمتع بسيولة فائضة كانت وما زالت تبحث عن فرص استثمارية حقيقية، بينما نجد أن دول أوروبا والولايات المتحدة وشركاتها العملاقة وذات التقنية المتميزة تئن تحت وطأة شح مالي يهددها بكساد اقتصادي. لذلك هذا القرار يدعم التوجه بالاستحواذ على شركات التقنيات العالمية المتطورة ومن ثم توطينها محليا سيكون ذا تكلفة قليلة وعائد استراتيجي كبير على المدى الطويل وذلك يشمل جميع الشركات ذات العائد الاستراتيجي على الدول كالشركات الزراعية والغذائية والتقنية بجميع أنواعها.لذلك أتى هذا التحفيز في وقته وفي قمة حاجة الشركات العالمية إلى بيئة استثمارية آمنة وذات عائد استثماري مجز، ولن تجد تلك الشركات أفضل من المملكة لتفي هذه الشروط الصعبة في وقت الأزمة.
من جهة أخرى، فإن توجيه الاستثمارات بهذه الحوافز للمناطق الأقل نموا في المملكة، هو حل استراتيجي طال انتظاره, واليوم قد يكون في أنسب أوقاته للاستفادة من ترنح الاقتصاد العالمي وتخوف الشركات العالمية بتوجيهها إلى حل واحد لعشر مشاكل. فالمملكة كانت ومازالت تعاني من نسبة التركز السكاني العالية في المناطق الرئيسية وهذا خلل ديموغرافي يحمل أخطارا سياسية وأمنية واقتصادية، ولا عجب أن هذا التحدي كان ملازما لخطط التنمية الخمسية.
مع إقرار هذه الحوافز، فإن الأمل ما زال يحدو المراقبين بالمزيد من التشجيع والحوافز لجذب وتوطين الاستثمارات في مناطق المملكة الأقل نمواً، خصوصا في ظل توجه أنظار العالم إلى المملكة. فالفرصة لا تأتي مرتين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي