سوق الصكوك على مفترق طرق
حين بلغ إصدار الصكوك عالمياً 100 مليار دولار عام 2007، كان هناك شعور على نطاق واسع بأن سوق الصكوك بدأت في سن النضوج. وتم النظر إلى كمية وتنوع الصفقات، إضافة إلى الرغبة المتنامية لدى جهات الإصدار في دول الخليج لطرق أبواب أسواق الدين، على أنها عوامل تؤكد أهمية التطور الذي تشهده سوق الصكوك. غير أن تطورات الأحداث المتمثلة في أزمة الرهن العقاري، وكذلك ما يسمى "بتحدي الشريعة"، أديا إلى كبح مستوى الإصدارات المقبلة إلى السوق. فهل كان ذلك مجرد صورة عابرة على الشاشة، أم أنه انعكاس لأمر أكبر من ذلك يتم في هذه السوق؟
على الرغم من أنه يتم النظر إلى الصكوك على أساس أنها المعادل الإسلامي للأوراق المالية التقليدية للديون، إلا أنها تأتي بعدة أثواب ذات مجموعة كبيرة ومختلفة من الخصائص الاقتصادية والمخاطر.
وأما السبب المهم في مخاوف رجال الدين، فهو أنه بينما تعد المضاربة، والمشاركة في الأساس نوعاً من أدوات الاستثمار، فإن الأسواق تستخدم أساليب معينة مثل اتفاقيات إعادة الشراء حين الاستحقاق، أو إحداث عجز معين، لضمان العائد على الصكوك. إن هذا يتعارض مع روح التمويل الإسلامي، حيث تجب المشاركة في الأرباح، كما أن الفوائد محرمة. ويشار إلى هذا الجدل بتعبير "تحدي الشريعة". وعلى الرغم من ذلك، فإن رد السوق كان إيجابياً، بصورة عامة، على تحدي الشريعة، على اعتبار أن التوضيح كان أمراً مساعداً. غير أن الفوضى، وغياب مؤشرات واضحة ودقيقة، واختلاف الرأي بين العلماء، يمكن أن يدمر مصداقية السوق.
الأوراق المالية المدعومة بالموجودات
وعلى الرغم من أنه يشار إلى الصكوك على أنها سندات إسلامية، إلا أنها تندرج في الغالب تحت نوعين واسعين من ذلك، أولهما الاستناد إلى الموجودات، حيث يتم ربط المخاطر الائتمانية للسند بجهة الإصدار، والثاني هو المدعوم بالموجودات، حيث ترتبط المخاطر الائتمانية بالموجودات ذاتها. ويشبه النوع الأخير الأوراق المالية التقليدية المدعومة بالموجودات التي ازدادت أهميتها خلال الأعوام الأخيرة. وكان من المتوقع أن يؤدي تحدي الشريعة إلى الابتعاد عن الهياكل القائمة على الموجودات، إلى تلك المدعومة بالموجودات.
غير أن جيرت بوسيووت من دوتشه بانك يشير إلى أن هذا التحول لن يتحقق لعدة أسباب أولها أن هناك ندرة في الموجودات الرئيسة لدى جهات الإصدار لاستخدامها في العمليات المدعومة بالموجودات، على الرغم من أن الأطراف الثالثة في عدد قليل من الحالات تؤجر الموجودات لجهات الإصدار لهذا الغرض. وأما السبب الثاني، فهو أن كثيراً من الأسواق، وخصوصاً في دول الخليج، ليست لديها في الوقت الراهن هياكل قانونية يمكنها دعم سوق التوريق.
ونجد أن قوانين حقوق الملكية، قوانين الصناديق، وقوانين الإفلاس، وغيرها، تكون في الغالب بدائية، أو أنها غير موجودة. ويرتبط بذلك أن تطبيق وإنقاذ العقود في هذه الدول، وفي أسواق أخرى ناشئة، يمكن أن يتصف بعدم اليقين، كما أنه لم يتم اختباره من قبل. وأشار بوسيووت أيضاً إلى أنه رغم كون هذه القضايا قد تم حلها، فإن هناك قضايا أكثر أهمية لابد من دراستها. وتطلب جهات الإصدار أساساً المنتجات التي تعكس الدين التقليدي فيما يتعلق بالمخاطر والمضمون الاقتصادي. وإن صكوك الأوراق المالية المدعومة بالموجودات لا تفي بهذه المتطلبات.
وتمر السوق بمفترق طرق مهم، حيث يتضح أن هناك رغبة من جانب علماء الدين، وبعض الممارسين، للتركيز على هياكل مدعومة بالموجودات أكثر أصالة. غير أنه كان من الواضح أن جهات الإصدار كانت مدفوعة بصورة أساسية بالتكلفة، وكان هناك تفضيل للأدوات شديدة الشبه بالدين التقليدي. وقد يبدو من النظرة الأولى أن هذه الثغرة لا يمكن تجاوزها، إلا أنه يبدو أن السوق لديها قدرة لا نهائية على الابتكار ضمن الإرشادات التي يحددها علماء الدين. وتفيد الأدلة الحديثة أنه مازال بإمكان جولة جديدة من الابتكار أن تعزز السوق الناشئة.