رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


سندات الخزانة إلى أين..؟

وسطية الاقتصاد الإسلامي جاءت نابعة من دستور إلهي, يعلم ما كان, وما يكون, وما لم يكن.. لو كان كيف يكون, ولهذا فالشريعة الإلهية الكاملة قادرة وبامتياز على أن توفر جواً اقتصادياً معتدلاً, يحافظ على استقرار السوق, ويحمي المجتمع من الأزمات وحوادث الانهيارات, بفقه رباني عظيم, يقنن للاقتصاد الحقيقي- لا الوهمي أو الفقاعي- ويستوعب آلياته, ويدرك تفاصيله..., وبوسطية متناهية, تكرس الاعتدال, وتحفظ توازن المجتمع, وتحترم الفقير كما تحترم الغني, وتراعي المصلحة الخاصة بالقدر الذي لا يضر بالمصلحة العامة, ولهذه الوسطية نماذج كثيرة, منها: أن الاقتصاد الإسلامي لم يبح كل أنواع المعاملات, ولم يحرم كل أنواعها, وإنما توسط بما يحقق ضرورات المجتمع وحاجياته, فأباح ما فيه مصلحة, وحرم ما فيه مضرة:
فأباح المتاجرة في الطيبات, وحرم المتاجرة في الخبائث.
وأباح المتاجرة في البيع والشراء, وحرم المتاجرة في الربا.
وأباح المتاجرة في الأعيان والمنافع, وحرم المتاجرة في الديون.
وأباح المتاجرة في الاستثمار, وحرم المتاجرة في القمار.
وأباح المتاجرة في المعلوم, وحرم المتاجرة في المجهول.
وأباح المتاجرة فيما يقدر على تسليمه, وحرم المتاجرة فيما لا يقدر على تسليمه.
وأباح المتاجرة فيما يملك, وحرم المتاجرة فيما لا يملك.
وأباح المتاجرة فيما قبض, وحرم المتاجرة فيما لم يقبض...إلخ
وفيما يتعلق بموضوعنا, أعني موضوع المخاطرة..., نجد أن الاقتصاد الإسلامي قد سمح بالمخاطرة المعتدلة, وحظر المعاملة التي لا تشتمل على أدنى مخاطرة, وحظر المعاملة المشتملة على مخاطرة مبالغ فيها, ولهذا حرم الشارع الحكيم الربا والسندات؛ لأنها لا تشتمل على أي مخاطرة, وحرم القمار؛ لأنه يشتمل على مخاطر كبيرة جداً, وسمح بالاستثمار في مجالات كثيرة, ومنها تجارة البيع والشراء للعقارات والمنقولات...؛ لأنها تشتمل على مخاطر معقولة...
وقد يثور تساؤل هنا, وهو: أن الربا والسندات قد تشتمل على مخاطرة, فيما إذا تم تعليب السندات وبيعت لجهات مجهولة..., بحيث تنتقل السندات من حالة عدم المخاطرة إلى حالة المخاطرة المطلقة, أو فيما إذا أفلس البنك الربوي, أو تعرضت الشركة أو الدولة المصدرة للسندات لإفلاس, أو لأزمة مالية معينة- كما هو الحال اليوم- وهنا نقول: إن المعاملة في أصلها ليس فيها أدنى مخاطرة؛ أو نقول بشكل أدق: فيها مخاطرة منخفضة جدا, ولهذا يقبل عليها الناس فيشترونها من الشركات المصدرة, ذات الملاءة المالية, وتقبل عليها الحكومات فتشتريها من بعض الدول الغنية المصدرة, ولهذا نادراً ما تتعرض هذه السندات لمخاطر, كالحوادث الكونية النادرة التي قد تلحق بالسلع المباعة, ومع ذلك لا تؤثر في مفهوم المخاطرة المتعلق بالسلعة المباعة..., ولهذا, فالمخاطرة ينظر إليها من حيث تعلقها بذات المعاملة, لا من حيث ما قد يطرأ عليها, مما لا دخل فيها للفرد.
ومن هنا حمد كثيرون لمؤسسة النقد العربي السعودي حين استثمرت أكثر احتياطياتها في سندات الخزانة الأمريكية, واعتبروا هذا التصرف أكثر حكمة!! والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل كانت مؤسسة النقد العربي السعودي فعلا أكثر حكمة حين دفعت من احتياطي الدولة نحواً من "تريليون ريال" كسندات خزانة؟
يقول البعض: إن تصرف المؤسسة كان أكثر حكمة...! أي بالنظر إلى بعض الاحتياطيات الخليجية التي تم حفظها في صناديق سيادية بالولايات المتحدة الأمريكية, مما أدى إلى فقدان قيمتها أو أكثر من قيمتها؛ بسبب حوادث الانهيار والإفلاس التي منيت بها البنوك والشركات الغربية, والتي استثمرت فيها تلك الصناديق...
إذن, قياساً على تلك الصناديق السيادية, يكون قيام المؤسسة بحفظ أكثر احتياطي الحكومة في سندات أكثر حكمة؛ لأنها لم تتعرض لما تعرضت له الصناديق السيادية! وهذا الكلام محل نظر, والواقع أنه لم يكن أكثر حكمة, ولكنه كان أقل ضرراً من الصناديق السيادية..., وبهذا توضع النقاط على الحروف.
أما أنه أكثر حكمة... فلا؛ لسببٍ بسيطٍ جداً, يتضح من خلال تساؤل بسيط أيضاً, وهو هل تستطيع مؤسسة النقد أن تحصل على قيمة سندات الخزانة إبان هذه الأزمة التي قد تستمر لسنوات ولاسيما أن ميزانية المملكة قد تتعرض لعجز مع تدهور أسعار "النفط" الذي يعتبر مصدر الدخل الأهم للميزانية؟ والجواب نحيله على مليء, ومن أحيل على مليء فليتبع...

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي