الناقلة المختطفة .. 5 بدائل للدراسة والتقييم
القرصنة والاختطاف ظاهرتان إرهابيتان تواجهان الحكومات والمنظمات منذ الأزل، ولم يعد التعامل معها ضربا من العشوائية واستخدام القوة، بل هناك خطوات علمية وحالات عملية يجب اتباعها عند مواجهة مثل هذه الأزمات.
من آخر أحداث الاختطاف ما قام به القراصنة الصوماليون من خطف الناقلة السعودية العملاقة سيريوس ستار. وقد أعُلن عن ضخامة الناقلة، وحمولتها، وطولها، وإمكاناتها، ما جعلنا ننظر بريبة إلى مدى مقدرة هؤلاء الزمرة على احتجاز هذا المارد الضخم، وجعل البعض يتساءل أن هل هناك جهة أخرى تختبئ وراء الحدث وتستخدم القراصنة كغطاء؟
ولو قبلنا بفكرة أن القراصنة وحدهم وراء حادث الاختطاف، فكيف نتعامل مع الأزمة؟ يرى خبراء إدارة الأزمات أن أول قاعدة للتعامل مع القراصنة والخاطفين هي استغلال عامل الوقت، فالوقت هو الحد الفاصل في مثل هذه المواقف التي يسعى فيها المختطفون إلى تنفيذ تهديداتهم، فكلما مرت فترة أطول دون أن يتسرع المختطف بتنفيذ تهديده قلت فرصته في التهديد حتى تتلاشى ومن ثم يجنح إلى الصلح أو الاستسلام. أطلعتنا الصحف بتصريح مفاده أن هناك سعيا إلى إعادة الرهائن بأسرع وقت ممكن. وتصريح كهذا سيشعر المختطفين أن عامل الوقت مهم لأصحاب الناقلة، وهذا يمثل مصدر قوة للقراصنة، فإذا علم المختطفون أن الوقت يداهمنا حاولوا التمرد وفرضوا مزيدا من الشروط. تقول القاعدة الذهبية في استغلال عامل الوقت "إن 80 في المائة من التنازلات تقدم في الـ 20 في المائة من الوقت المتبقي لأن معظم المشكلات لا تطفو على السطح إلا في الـ 20 في المائة الأخيرة من زمن التفاوض، حيث يكون كلا الجانبين أكثر استعدادا لتقديم تنازلات"، فكلما أمكننا أن نبقي القراصنة فترة أطول دون تحقيق مأربهم بات من الأرجح أن يقبلوا بإطلاق الناقلة دون شروط.
طلب القراصنة حسب تصريح وكالة فرانس برس 25 مليون دولار (البعض ذكر 12 مليون دولار) مؤكدين في صيغة تهديد مقدرتهم على التفاوض إلى مالا نهاية. ورغم تناقض التصريح إلا أنه يمكن رؤية عدة ثغرات تمثل جميعها مصدر قوة لصالح السعودية، أهمها سوء استخدام القراصنة لعامل الوقت.
لقد حددوا عشرة أيام للحصول على مبتغاهم، وهذا وقت غير كافٍ، ما قد يؤدي إلى تجاوز الوقت المحدد، وتخطي الوقت المحدد ولو بساعة واحدة يعد فشلاً ذريعاً للمختطفين، فإذا استطاع ملاك الناقلة تخطي عشرة أيام دون أن يحققوا للقراصنة بغيتهم، فهذا تقدم جيد وستنتهي المهمة بسلام دون حدوث مكروه، بإذن الله، مهما طالت فترة الاختطاف. وهذا يذكرنا بحادث اختطاف السفينة الإيطالية أكيلي لورو على يد أربعة فلسطينيين، حينما أعلنوا أنهم سيشرعون في قتل الركاب إذا لم تستجب إسرائيل لمطالبهم وتقوم بإطلاق سراح 50 سجيناً فلسطينيا. وقد استخدمت إسرائيل عامل الوقت لزعزعة ثقة المختطفين، حينها أدركوا أنها لن تنوي الإذعان لمطالبهم فوافقوا على إطلاق السفينة شريطة العودة بأمان من القاهرة إلى تونس بواسطة الخطوط الجوية اليوغسلافية. وقد كان لهم ذلك إلا أنه تم القبض عليهم لاحقا عندما اعترضت القوات الجوية الأمريكية طريق الطائرة اليوغسلافية وأجبرتها على الهبوط في قاعدة بحرية.
القاعدة الثانية للتعامل مع حالة الاختطاف هذه هي إجادة فن "فض الصراع"، الذي طوره مركز شرطة نيويورك بهدف وضع حلول منطقية لمواجهة الأزمات الخاصة بالمحتجزين. وقد تحول هذا البرنامج إلى أنموذج يحتذى به في كل مراكز الشرطة في جميع الولايات، بعد أن أثبت فاعليته وجدارته في المحافظة على سلامة المحتجزين وإنهاء الأزمات بسلام. وقد شرح مصمم النموذج فرنك بولز خمسة بدائل يجب دراستها بعناية وتقييمها منفردة قبل اتخاذ أي رد حتى لا تقدم الحكومات على عمل غير مدروس، فالنتائج غير المحسوبة في مثل هذه الظروف تكون مدمرة:
1. الهجوم مع قليل من التفاوض، وقد استخدمت هذه الوسيلة في أحداث حصار السجن في ولاية أتيكا عام 1971، وفي حادثة احتجاز الرهائن في مدينة الألعاب الأولمبية في ميونخ 1972، إلا أن النتائج كانت مفجعة، ويبدو أنها لم تكن الوسيلة المناسبة لهذين الموقفين.
2. مراقبة الموقف لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور، فإذا لم تكن هناك أحداث مؤسفة متوقعة، فيفضل الانتظار لمعرفة تطورات الموقف.
3. التفاوض دون تقديم تنازلات، وهذه النبرة السائدة في عهد الرئيس الأمريكي ريجان، التي تمثلت في مقولته المشهورة "لن نتفاوض مع الإرهابيين"، وهذه الأداة عادة ما تستقبل بقبول جماهيري، إلا أنها توصف بالجمود ولا تحدث أي تقدم يذكر في فض الصراع.
4. التفاوض ومخادعة الطرف الآخر بشأن التنازلات، وهذا نوع من التكتيك لا يحقق مكسبا على المدى القصير، ويتسبب في خسارة على المدى الطويل، لأنه يقطع جسور الثقة ،ولا ينصح باللجوء إليه إلا في حالات نادرة.
5. التفاوض وتقديم تنازلات "عكس مبدأ ريجان"، وهذه الأداة تؤدي إلى ترتيب الأفكار، والالتزام بالهدوء، والتفكير بواقعية، ومعالجة الوضع إنسانيا و العمل على كسب ثقة المختطف.
لذا يجب دراسة هذه البدائل الخمسة وتقييمها كل على حدة، واختيار الأسلوب المناسب، حسب الموقف، مدعوما باستخدام عامل الوقت. وفي رأيي الشخصي بحسب المعلومات التي بين أيدينا، أن تطبيق الأسلوب الخامس من نموذج فرنك بولز هو الأفضل لحل أزمة الناقلة سيريوس ستار دون تحقيق المطالب الأساسية حتى لا يغري غيرهم على الحذو حذوهم.