المراكز المالية الخليجية.. أي مستقبل ينتظرها؟!
يذكرني ما يحدث في المراكز المالية الخليجية اليوم، والتي أنُفقت عليها ملايين إن لم تكن مليارات، أقول تذكرني بصف مكون من ستة حلاقين في شارع واحد ضيق. فبمجرد أن أحد قرر افتتاح محل حلاقة يتكسب منه عيشاً، وجدنا بعد أيام بجانبه ستة حلاقين أو أكثر، هذه ثقافة الصغار والكبار، التقليد بدلاً من الإبداع. والنتيجة خسارة الجميع بعد فترة، وإقفال أبواب الحلاقة. وبدلا من أن يكون لدينا حلاق واحد في هذا الشارع الضيق مبني على أسس عالية الجودة في تقديم الخدمة وضمن معايير نظافة وكفاءة متقدمة، نجد أن المسألة بدأت بطفرة ثم ما لبثت الحفلة أن انتهت!
بلا شك أن مجلس التعاون الخليجي ورغم ما قد يقال عن بطء حركته وأنه حقق أقل من التوقعات، فإن هناك من يقول إن مجرد استمرار عمل المجلس ونشاطه العام مقارنة بمشاريع عربية أخرى يعتبر إنجازاً كبيراً يحسب للمسؤولين في هذه الدول. والنظرة هذه هي نظرة المتشائم الذي يرى أنه يعيش في سواد حالك، وبالتالي أي بصيص ضوء هو أمر إيجابي! فيما نجد التناقض الصارخ بيننا وبين الآخرين، كالأوروبيين على سبيل المثال، ممن لدى نخبهم طموح عال، فيما شعوبهم هي من تؤخر الإنجاز. أما نحن في الخليج فلدينا شعوب طموحة في تحقيق إنجازات الوحدة الخليجية على الأصعدة كافة، ومسؤولون تنفيذيون قد لا يكونون بمثل حماسة شعوبهم رغم أن هؤلاء المسؤولين هم المحرك الرئيس لهذا التوجه وهذا الطموح.
بدأت مراكز المال الخليجية، وهي موجودة في كل دول الخليج بشكل أو بآخر، كطفرة مع بداية طفرة النفط الأخيرة، على غرار أن كل طفرة يصاحبها طفرة في موضوع معين، وذلك في تسابق واضح نحو تحقيق هدف استقطاب أكبر عدد ممكن من الشركات التي ترغب العمل في الخليج. أو بعبارة أوضح، الكل يريد أن يصبح محوراً للخليج العربي وقلبه المالي النابض. وهو أمر مشروع من ناحية المبدأ، ولكنه قد لا يكون مجديا من ناحية الواقع الحقيقي للخليج. الأمر الذي يعيدنا إلى مثال الحلاقين الستة في شارع واحد ضيق!
زرت كل دول الخليج في فترات متباعدة وفي أحيان فترات متقاربة وفي كل زيارة وجدت ثمة حراك يأسرني من ناحية، ويزعجني من نواح أخرى! تأسرني الرغبة في الحياة، والرغبة العارمة في التطور، وتوفير حياة عصرية لشعوب المنطقة، وهي ولله الحمد والمنة في حال ممتازة مقارنة بأحوال شعوب دول مجاورة. لكن ما يزعجني ويقلني بشكل دائم هو غياب رؤية خليجية واحدة، وهذا لا يلغى توافر الرؤى. فثمة رؤى محلية بحتة وقد تكون شخصية وأحيانا داخل البلد الواحد يوجد أكثر من رؤية! هناك تكرار في المشاريع وتشابه في معظم دول الخليج، على غرار ما يحدث في البحرين وقطر والإمارات. طفرة عقارية غير مسبوقة ومشاريع عقارية لا يملك حيالها أي شخص مهما كان مجاملاً إلا التأكيد بأنها لن تطول. والمشكلة الأكبر أن كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى في كل قطر خليجي باتت مربوطة بالقطاع العقاري، والذي ستنتهي حفلته بمبان خاوية (إسفنجية) ومشاريع وضعت فيها المليارات والنتيجة...!!! انتهت المضاربات وأسقطت في أيدي الحكومات.
فهل يستطيع أي منظر لما يحدث أو متخذ قرار أن يقول ما النتيجة لهذا التنافس على ذات الشيء؟ أعتقد أن ما يجب أن يكون، وهو ما سيجعل الخليج ككل مركزا ماليا عالميا ذا صيت وحضور مؤثر، هو التكامل الخليجي وليس التنافس الشخصي! البناء على الميزة النسبية والفروقات الداخلية لكل دولة خليجية. هل يستطيع أي مسؤولي خليجي أن يحدد كيف سنستطيع استيعاب الجيل الشاب القادم بمؤهلات جيدة للعمل في أي قطاعات؟ وكيف سنتنافس مع العالم الآخر؟ ما الميزة النسبية للخليج ككل في مقابل مميزات نسبية لكل دولة؟ يعتريني الأمل ألا يتخدر المسؤولون الخليجيون بهذه الأفواج الغربية التي تتسابق علينا والتقارير التي ترى الخليج فرصة كبيرة لتحقيق مزيد من الأعمال للشركات الغربية التي تعاني الأمرين، وقد تفلس في أي لحظة، خصوصا في ظل الأزمة المالية العالمية التي يعيشها الغرب حالياً . إن تلك الشركات هي فخاخ (آيلة) للإفلاس، هدفها الأول والأخير السيولة... ولا غير السيولة.
كنا نأمل أن يكون ما حدث من أزمة مالية عالمية هو فرصة العمر التي لا تأتي إلا في القرن مرة، أن تكون دول الخليج في مركز يهيئها لاقتناص الفرصة في أن تكون مركز المال العالمي وهو طموح ليس مستحيلا أو صعبا إذا ما وجدت الرؤية الطموحة واليات التنفيذ التي تنفذ من قبل مؤمنين بها وليس كمستغلين لها لتحقيقه مكاسب شخصية. نعم هناك رجال مخلصون نعرفهم يعملون بجهد يحسدون علية ولكن جاءت الأزمة ورغم أن لا ناقة لنا فيها ولا جمل، إلا أننا وحتى اليوم نجد أن تأثرنا بها أكبر من تأثر مَن يعيشون الأزمة وتسببوا فيها. بل إن البعض فرح بهذه الأزمة ليعلق عليها أسباب أزماتنا الداخلية، أو لتأكيد قناعاته الشخصية في أمور اقتصادية. واليوم هناك محاولات حقيقية من قبل الغرب لتخدير المسؤولين الخليجيين وإقناعهم بعمل أشياء آمل ألا يفعلوها. لأنها ستكون الضربة القاضية لهم في زمن الحروب الاقتصادية القذرة!!!
لقد اتخذ قراران مهمان من قادة المجلس وهما فتح السوق الخليجية المشتركة اعتبارا من كانون الثاني (يناير) 2008م، وهذا أمر رغم أن القرار اتخذ، إلا أننا نجد أن قائمة الاستثناءات كبيرة! والقرار الآخر العملة الخليجية الموحدة في 2010م رغم الصعوبات التنفيذية التي توضع أمام العربة، وهي إن دلت على شيء إنما تدل على وجود الطموح في تحقيق الإنجاز الكبير لدول تتحرك كجسم واحد في اتجاه تحقيق هدف واحد. ولكن هناك خللا في التنفيذ وهناك فقدان للرؤية الاقتصادية التي تريد دول الخليج البناء عليها. نريد أسواق المال أن تكون أسواق مال بمعايير عالية نابعة من إبداع محلي ولأهداف محلية نستطيع من خلالها جذب العالم لنا. نتعلم لكي نبدع وليس لنكرر ما فعله الآخرون.