ازدواجية وصمت وانعدام للحوافز .. السوسة الحمراء تتحدى

ازدواجية وصمت وانعدام للحوافز .. السوسة الحمراء تتحدى

الطريق الثاني في خريطتنا التي استعرضنا جزءها الأول الأسبوع الماضي الإعلام، حيث كان للإعلام دور بسيط منذ بداية المشكلة, بل يكاد يكون معدوما. إن تقصير الإعلام في هذه المشكلة لا يقع على الإعلام فقط, بل إن وزارة الزراعة أيضا تتحمل مسؤولية التقصير. فمنذ بداية المشكلة كان هناك تكتم إعلامي خطير عن حشرة السوسة وخطرها, مما أدى إلى ضعف الوعي لدى المزارعين والمهتمين بالنخيل. ولهذا تعامل الإعلام مع المشكلة بهمس في أذن أصم وغمز للأعمى. إن تكاتف جهود الإرشاد الزراعي مع الصحافيين هو الحل في رفع مستوى الوعي لدى المزارعين.

أم الطريق الثالث في خارطتنا: الشركات الزراعية ورجال الأعمال. هذا الطريق من الطرق الواسعة, فالشركات الزراعية تعد أحد أعمدة الزراعة في المملكة ولكنها ما زالت تغرد خارج السرب وكأنها في كوكب آخر وكأن أمر خطر السوسة لا يعنيها البتة, كيف هذا وهي تملك الكثير من الطاقات والإمكانات. نحن هنا لا نتكلم عن مطبوعات أو معارض, بل نتكلم عن تعاون حقيقي وبناء مع وزارة الزراعة في مكافحة هذه السوسة. فالمزارع هو مواطن هذه الدولة وهذه الشركات تستفيد من تسهيلات الدولة وتستنزف مياه المواطن. فما العائد؟ ويعلم الجميع أن هيكلة وتنظيم هذه الشركات تم استعارتها من الخارج ومن ضمن أساسيات النظام أنه لا بد لهذه الشركات أن تقوم بخدمة المجتمع ومشاركة همومه. وكانت النتيجة أن هذه الشركات قد ضاعفت رؤوس أموالها وصرفت الملاليم في بعض الملصقات. فالمطلوب من هذه الشركات أن تعد هذه المشكلة احد همومها. كما أن الشركات تحتاج إلى وضوح في الرؤية والدور المطلوب منها من قبل وزارة الزراعة.
دعنا نسلك منعطفا آخر قليلا ثم نرجع إلى طريقنا, قد تذهب إلى بعض المدن التي توجد فيها تلك الشركات الكبرى فلا تلحظ أي تطور فيها قبل وبعد تأسيس هذه الشركات. أيها الشركات إنكم تستنزفون مياهنا فماذا ربحنا منكم؟ فلماذا لا يتم تحديد نسبة من الأرباح لدعم المشاريع البحثية أو لدعم برنامج مكافحة سوسة النخيل الحمراء؟. نجد أن وزارة الزراعة تصرح وتكرر أنها لا تستطيع إلزام هذه الشركات بالمشاركة. هل سنقف مكتوفي الأيدي نتفرج على هذه الشركات حتى تتعطف علينا بالمشاركة في حل هذه المشكلة؟
نرجع إلى طريقنا, أما رجال الأعمال الذين يملكون مزارع نخيل كبرى, كانت لهم مبادرات في المشاركة في مكافحة سوسة النخيل الحمراء وتحركات من خلال الغرفة التجارية في الرياض والأحساء, لكنهم يُصدمون بعدم وضوح الرؤية من قبل وزارة الزراعة. فرجل الأعمال يفكر بطريقة مختلفة تماما عن خطابات الصادر والوارد, فهو رجل سريع في اتخاذ القرار والتنفيذ, فكثيرا ما تنتهي الاجتماعات بين الوزارة ورجال الأعمال بخسارة دعم للنخلة وربح جولة للسوسة. يحتاج رجال الأعمال إلى برامج وخطط تنفيذية وأرقام واضحة وليس إلى خطابات ومسؤوليات مبعثرة.
أما الطريق الرابع في خريطتنا فهو الطريق المؤدي إلى الجامعات ومراكز الأبحاث الناشئة في التصدي لسوسة النخيل الحمراء, فهناك محاولات بحثية ولكن كل مركز أو باحث يغني على ليلاه. فقد كررت الكثير من الأبحاث وكانت أهدافها مختلفة عما خُطط له بسبب عدم وجود استراتيجية واضحة في مكافحة سوسة النخيل الحمراء. والأمثلة على ذلك كثيرة: فهناك فريقان بحثيان: الأول فريق من المنظمة العربية للتنمية الزراعية، حيث بدأ بمشروع مكافحة حيوية لسوسة النخيل الحمراء في القطيف بين 1997 و2007م, والفريق الثاني من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية في المشروع الوطني لمكافحة سوسة النخيل الحمراء بين 2001 و2010م. ونلاحظ أن هذين الفريقين يعملان على الهدف نفسه والحشرة نفسها ما يقارب الست سنوات في منطقتين مختلفتين تبعدان عن بعضهما بنحو 400 كيلو متر، ولكن العجيب أنه خلال تلك الفترة لم يتم أي نوع من الاتصال أو المشاركة منهم. فماذا تسمي هذا؟.
قمت بسؤال فريق المنظمة العربية في إحدى الندوات عن ذلك فأجابوا "ليس لدينا أي علم عن المشروع الوطني لمكافحة سوسة النخيل الحمراء في المدينة" هل هذا سوء الإدارة أو سوء التخطيط أم ماذا؟ إن سوء الإدارة هو من نقل السوسة وهو المسؤول عن انتشارها في بلدنا الحبيب وخارطة السوسة في المملكة لن تنتهي ما دام الأمر كذلك.
لم ينعقد على حد علمي سوى ندوتان عن سوسة النخيل الحمراء في المملكة, أقيمت الأولى في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بتاريخ 2 نيسان (أبريل) 2007م انتهت بتوصيات تبدأ بحرف التاء (تنشيط، تفعيل، وتشجيع .. إلخ). ولا تزيد عنها ندوة "سابك" حيث أقيمت في 25 آذار (مارس) 2008م واستعرض فيها فريق المنظمة العربية للتنمية الزراعية نشاطاتهم البحثية خلال السنوات العشر الماضية وانتهت بالتوصيات نفسها. لذا لا أعتقد أنه يجب أن نقول "إننا نقترح" بل أن نقول "يجب على المسؤول" وضع الاستراتيجية واضحة في مكافحة سوسة النخيل الحمراء على مستوى المملكة من اليوم ولا مجال للمترددين.
في نهاية خريطة الطريق سيأخذنا الدرب إلى وزارة الزراعة التي تعد المعنية بالأمر. فقد مرت الجهود التي بذلت من قبل الوزارة منذ دخول حشرة السوسة وحتى الآن بمراحل متعددة ومتذبذبة، حيث دامت أكثر من 20 سنة تقريبا, وإن كنت أود أن أكون أكثر دقة لكن لشح المعلومات فقد قسمتها كالتالي: مرحلة العشر الأولى التي وصلت فيها الحشرة إلى أغلب مناطق المملكة والتي بدورها تنقسم إلى جزءين: الجزء الأول الخمس السنوات الأولى وتسمى مرحلة "التهدئة والتكتم", والجزء الثاني الخمس السنوات الثانية وتسمى مرحلة "الشق أكبر من الرقعة" ثم تأتي مرحلة العشر سنوات الأخيرة وأقسمها إلى جزءين أيضاً السنوات الخمس الأولى وتسمى مرحلة "البحث عن المنقذ" ثم المرحلة الأخيرة وهي مرحلة "الله يستر".
نعم فقد قامت الوزارة بجهود لا يمكننا نكرانها ولكن محركاتها مازالت تعمل ببطء بسبب سوء الإدارة ونظرية الصادر والوارد على هذه الخارطة, إن كان هذا هو الحال فلا تستطيع الوزارة أن تسبق سرعة انتشار السوسة فالخطوات التي بذلت لمكافحة سوسة النخيل الحمراء تتمثل بثلاث خطوات بينما السوسة تخطو خمس خطوات على الخريطة نفسها. فهناك فارق لا يمكن الوصول إليه ما دامت الأمور تسير كما هي حتى الآن.
دعنا نسلك مرة أخرى خطا فرعيا. للعلم فقط, فإنه خلال قراءتك هذه المقالة يعمل إخواننا المهندسون والموظفون على بند اسمه "بند السوسة" وهم في معركة معها. من هؤلاء المهندسون, هل هم من المرتزقة أم هم من كوكب آخر؟ هذا ما قاله لي أحدهم. بل هم سعوديون ورواتبهم قليلة ودون علاوة سنوية وليس لديهم أمن وظيفي أو بدل مخاطر أو علاج أو تأمين صحي ويكثر بينهم تسرب الكفاءات. فكيف يمكن أن تحارب عدوا خطيرا جدا بعدد بسيط من هؤلاء ثم تطلب منهم تحقيق النصر.
هؤلاء لديهم شعور أن بند السوسة سيزول بالقضاء على السوسة وهذه مصيبة كبيرة. إنك لا تستطيع عزيزي القارئ أن تتخيل مدى صعوبة الأعمال التي يقومون بها في وسط أحراش النخيل في يوم صيفي حار وطلب منك إزالة وتقطيع النخيل المصاب. لا تستطيع أن تتخيل خروج أحد المزارعين بسلاح ناري وتهديدك بالقتل إن دخلت مزرعته. كما لا تستطيع أن تتخيل الاتصالات الهاتفية من قبل المزارعين حتى منتصف الليل على جوالك الخاص. لا تستطيع أن تتخيل رؤية أحدهم يعرج وتسأله لماذا؟ سيقال لك إنها إصابة حرب مع السوسة. ما ذنب هؤلاء يا وزارتي الزراعة والمالية "للتحذير فقط انتبه إنهم سعوديون".
لقد جلبت وزارة الزراعة الكثير من الخبراء والزوار الذين كتبوا التوصيات والملاحظات ولكن مع الأسف بقيت حبيسة الأدراج أو أنها نفذت بعد فوات الأوان بسبب البطء في اتخاذ القرار. ويقال إن عدد الخبراء الذين جلبتهم منظمة الأغذية والزراعة الدولية "الفاو" للخيول أضاعف مضاعفة عما جلبته للنخيل. أيها الإخوة الأعزاء إن النخلة هي رمزنا وشعارنا فلماذا هذه المعاملة لها.
إنك تلاحظ أن كل الطرق التي سلكناها معا توضح أن المشكلة هي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. لذا لا بد للكل أن يشارك في حل هذه المشكلة المستعصية ويكفينا اجتماعات تصويرية ورمزية وأخبار صحافية التي تقوم على أساس طمأنة أصحاب القرار دون عرض الحقيقة.
قال Martin Luther King يوما إن لديه حلما "I have a dream", ونحن نقول لدينا أحلام ونود أن نحققها, كما يقال في اليابان نحن لا نحلم فقط بل نحن نحقق أحلامنا.
* إننا نحلم يوما أن يكون هناك مركز خاص بسوسة النخيل الحمراء يضع استراتجيات واضحة لمكافحتها على مستوى المملكة ويطلب من الجميع تطبيقها تحت نظم ومعايير واضحة.
* رفع مستوى الاتصال بين الباحثين وذلك بمشاركتهم في الأبحاث من خلال المركز.
* إنشاء لجنة لتقييم ودراسة البحوث المقدمة والرسائل العلمية عن السوسة في المملكة ضمن أهداف واستراتيجيات المركز.
* وضع آلية واضحة لرجال الأعمال والشركات الكبرى لمعرفه دورهم في مكافحة سوسة النخيل الحمراء ضمن أهداف المركز.
* إنشاء معمل مركزي يضم جميع متطلبات الباحثين.
* إنشاء قاعدة بيانات تضم جميع المعلومات عن السوسة النخيل الحمراء وما تم عمله حتى وقتنا الحاضر ليكون رافدا لكل مهتم وباحث وأن يسهم في دعم هذه الاستراتيجية.
* رفع المستوى المهني للمهندسين والعاملين على "بند السوسة" ودعمهم والاعتراف بهم.
* دعم الحجر الزراعي الداخلي والخارجي بحيث يخدم هذه الاستراتيجية.
* تبني يوم النخلة على مستوى العالم على غرار أسبوع الشجرة.
* استحداث عدة كراسي بحثية لمكافحة سوسة النخيل الحمراء حيث تصب في النهاية في أهداف واستراتيجيات المركز.
* تقييم جميع الأعمال الحالية لدى وزارة الزراعة والمراكز البحثية والجامعات في مجال مكافحة سوسة النخيل الحمراء وضمها تحت مظلة المركز.
* رفع حصر بيع النخيل على المناطق المصابة بالسوسة من خلال إنشاء سوق مركزي لبيع الفسائل تحت إشراف الوزارة أو القطاع الخاص.

وفي الختام, أتمنى أن تكون قد استمتعت بمشاهدة فلم "خارطة الطريق في مكافحة سوسة النخيل الحمراء" حيث يعد من الأفلام الوثائقية عن مشكلة هذه الحشرة الخطيرة. كما أن هناك أفلاما كثيرة لا يسعني أن أتحدث عنها كفيلم "سنوات ضياع نخلة" "أكون أو لا نخيل" "هجرة إلى نخيل قديم" "باب النخيل" وأخيرا "حب في نخلة", حيث إن أغلب هذه الأفلام حازت جوائز في المهرجانات السينمائية العالمية وخصوصا مهرجان كان في فرنسا حيث تم توزيع "السعفة الذهبية" على هذه الأفلام. وعادة في هذه المهرجانات يتم اختيار أقل الأفلام تواضعا، حيث كان من نصيب الفيلم الدرامي بعنوان "نخلة تنتصر", حيث إن هذا الفيلم افتقد روح الواقعية والمصداقية.
عزيزي القارئ لقد انتهى المشهد الأخير ووصلنا إلى نهاية خارطة الطريق وأن الباب في حل هذه المشكلة لن يكون مسدودا ما دام هناك أناس لا يبخلون في الدفاع عن نخيل وطننا الحبيب من أمثالكم. إلى اللقاء في فيلم وخريطة أخرى.

وقاية النباتات - جامعة الملك فيصل، كلية العلوم الزراعية والأغذية
[email protected]

الأكثر قراءة