في ظلال الأزمة .. فرص حقيقية تلوح في الأفق (2 من 2)
كنت قد تحدثت في مقال سابق عن الفرص التي تحملها الأزمة المالية الحالية بغض النظر عن حجم الألم التي تسببه الأزمة , وذكرت في ذلك المقال بشكل مختصر بعض القطاعات التي تحمل فرصا حقيقية للخطط طويلة ومتوسطة الأجل على مستوى التشريعات وعلى مستوى الشركات وعلى مستوى الأفراد المستثمرين، واليوم أجدني أعيد الكرة بناء على التصريح التفاؤلي للمهندس محمد الماضي رئيس شركة سابك، حينما ذكر أن الشركة تستعد لأي عمليات استحواذ جديدة قد تظهر نتيجة الأزمة المالية العالمية، مشيرا إلى أنه في ظل الأزمات تكون في ثناياها فرص كبيرة.
وحديث محمد الماضي يأتي على الرغم من كثرة الأخبار السلبية اليومية التي تحملها مؤشرات الاقتصاد العالمي على جميع المستويات، إلا أن الفرص الحقيقية لا تأتي للشركات فقط، بل أيضا للدول التي لم تتأثر سلبا بنفس النسبة التي تأثرت بها بعض الاقتصادات المتقدمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول التي يغلب عليها الوجود الأجنبي. ولعل المملكة تمثل إحدى أهم الدول التي ينتظر لها أن تستفيد من الأزمة بشكل يضعها في مصاف الدول المتقدمة، كما حدث لعدد من الدول خلال الأزمات الاقتصادية السابقة، ولعل منها كوريا الجنوبية خلال أوائل التسعينيات الميلادية عندما تخطت الأزمة المالية في أواخر الثمانينيات بدولة ذات بعد اقتصادي أكبر. وكان ذلك النجاح الذي حققته كوريا مرتكزا بشكل كبير على الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها خلال وقت الأزمة بشكل جعلها من أقل الدول الآسيوية تأثرا خلال أزمة التسعينيات.
كذلك فإن تجربة تشيلي الناجحة في تجاوز الأزمة المالية التي ضربت دول أمريكا اللاتينية أوائل الثمانينيات الميلادية تؤكد أن النجاح يولد خلال الأزمات، فبعد أن أوشك النظام المالي في تشيلي على الانهيار وانهار الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 14 في المائة خلال عام 82 ميلادية، قامت الدولة بإصلاحات اقتصادية كبيرة شبيهة بما تحاول الولايات المتحدة القيام به هذه الأيام، ولكن مع فارق الظروف المحيطة. قامت الحكومة التشيلية بضمان الودائع البنكية من خلال ضخ سيولة في الاقتصاد المحلي عن طريق دعم أربعة مشاريع رئيسية منها دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال آلية عمل واضحة. هذا كان إضافة إلى حزمة من الإجراءات الإصلاحية داخل الاقتصاد، وفي عام 87 كان الناتج المحلي الإجمالي ينمو بنسبة 7 في المائة سنوياً.
وتعد المملكة اليوم في موقع أفضل من كوريا وتشيلي من ناحية الظروف المحيطة بالأزمة، ولذلك فإن الفرصة مواتية لاستغلال هذا الهلع العالمي لمصلحة المستقبل متوسط وطويل الأجل، فالمملكة تعد من أقل الدول تضررا من الأزمة العالمية، وكذلك مخزونها النقدي من ارتفاع أسعار النقط خلال السنوات القليلة الماضية، ما يجعلها في موقع متميز لاستغلال هذه الفترة العصيبة التي يمر بها الاقتصاد العالمي لتكون ملاذا آمناً للشركات العملاقة، ومن منظر آخر الجانب المتعلق بفروقات السيولة، فالمملكة تتمتع بسيولة فائضة كانت ومازالت تبحث عن فرص استثمارية حقيقية، بينما نجد أن دول أوروبا والولايات المتحدة وشركاتها العملاقة وذات التقنية المتميزة تأن تحت وطأة شح مالي يهددها بكساد اقتصادي. لذلك فإن الاستحواذ على شركات التقنيات المتطورة، ومن ثم توطينها محليا سيكون ذا تكلفة قليلة وعائد استراتيجي كبير على المدى الطويل وذلك يشمل جميع الشركات ذات العائد الاستراتيجي على الدول كالشركات الزراعية والغذائية والتقنية بجميع أنواعها.
إننا اليوم في أمس الحاجة من أي وقت مضى إلى الإسراع في تشريعات الإصلاح الاقتصادي وفق احتياجات المرحلة وفتح المجال أمام الوطن إلى الاستفادة من الميزة التنافسية التي يتمتع بها من أجل بناء مستقبل مشرق بإذن الله.