تخوف من عدم قدرة البنوك العربية على تمويل المشاريع الضخمة
أكد الدكتور جاسم المناعي مدير عام ورئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، أن الأزمة المالية الحالية تحدث تغييرات مهمة وجوهرية على الصناعة المالية والمصرفية العالمية، إضافة إلى العلاقات الاقتصادية الدولية، خاصة فيما يتعلق بعملية إدارة مخاطر الائتمان والتعامل بالمشتقات المالية المعقدة.
وأوضح المناعي خلال إحدى جلسات مؤتمر أصدقاء لبنان للاستثمار والتمويل الذي اختتمت فعالياته البارحة الأولى في العاصمة اللبنانية بيروت، وحضره عديد من القيادات الاقتصادية العربية، أن التغيير الذي تحدثه الأزمة سيشمل المنتجات المالية والاستثمارية التي لم تكن تخضع لأي عملية تنظيم ومراقبة، كما سيطول هذا التغيير سياسة المصارف المركزية التي ستراجع على الأرجح خططها وسياساتها القديمة وتعيد تقييمها.
ودعا المناعي إلى عدم المبالغة في الاعتقاد أن النظام المالي الرأسمالي قد شارف على الانتهاء، ويجب التعامل مع الموضوع بواقعية، معتبرا أن التدخل الذي حصل حاليا في جميع الدول الرأسمالية إنما هو تدخل إجرائي مؤقت ولا يمثل تحولا في منهج الاقتصاد الحر.
وعلى الصعيد ذاته قال الدكتور جهاد أزعور وزير المالية اللبناني السابق، "إنه من الصعب جدا حاليا الحديث عن مستقبل النظام العالمي لأننا مازلنا في خضم الأزمة مما يجعل التخمين أو التوقع صعبا للغاية، ولا تقتصر هذه الصعوبة على المحللين أو المتابعين إنما أيضا على صنّاع القرار"، مشيرا إلى أن هذه الأزمة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية غير مسبوقة، ومن الممكن لها أن تتحول من أزمة مالية إلى أزمة اقتصادية إذا لم تتم إدارتها بشكل سليم وناجح.
ولفت الدكتور أزعور إلى أن هذه الأزمة لا تشكل نهاية للنظام الرأسمالي، حيث إن كل أزمة تشكل فرصة ومدخلاً إلى طور جديد، وأن الدول الناشئة تقف على مفترق طرق، إذ يكمن التحدي الأكبر في كيفية المواءمة بين الإدارة الوطنية للاقتصاد والانفتاح العالمي، داعيا إلى ضرورة وجود نظرة فاعلة للدول العربية، وتنسيق أكبر، وسعي إلى تحقيق التكامل الاقتصادي للوقوف في وجه المصاعب والعقبات.
أما الدكتور عبدالله القويز رئيس شركة القويز للاستشارات الاقتصادية والمالية، فتحدث عن قمة العشرين، مستعرضا أبرز القضايا التي تمت مناقشتها والنتائج والتوصيات التي خرجت بها، متطرقا إلى ثماني نقاط أساسية في هذا المجال تشمل تقوية الرقابة على البنوك وعلى صناديق التحوط، إعادة النظر في القوانين المحاسبية، وضع قواعد جديدة لعمل وكالات التصنيف الائتماني، إعادة النظر في صلاحيات كبار موظفي البنوك، إعطاء دور أكبر لصندوق النقد الدولي، إلى جانب العلاقة بين أسعار الصرف والعملات، وضرورة تبني برامج وطنية لتنمية الاقتصاد وتنشيطه.
وبين الدكتور القويز أن البنوك العالمية قد لا تتمكن في الفترة المقبلة من تمويل المشاريع الضخمة ذات المخاطر العالية، وهذه الحالة قد تشكل فرصة للبنوك العربية للتقدم إلى تمويل مشاريع كبرى، معتبرا أن الأزمة ستؤثر في التحويلات المالية والاستثمارات الكبرى، وستطول نتائجها كل الدول بما فيها الدول العربية.
وأوضح القويز أن نظام الإعانة الذي أطلقته الولايات المتحدة لدعم زراعة الذرة بهدف تعزيز مشروع الوقود البديل سيكون أحد ضحايا الأزمة المالية العالمية، مؤكدا أن الأزمة ستؤثر في عملية صنع القرار الدولي بشكل عام.
وذكر الدكتور أحمد الجويلي أمين عام مجلس الوحدة الاقتصادية العربية أن "تأثير هذه الأزمة في المنطقة العربية سيأخذ أشكالا مختلفة، كأن تعاني الدول العربية التي يعتمد اقتصادها على الصادرات الصناعية والخدمات، والتي معظم مواردها من العملات الأجنبية، الانكماش، ولو كانت الدول العربية متكتلة لكانت قدرتها أقوى على تحمل هذه الصدمة.
وأضاف "إن تدخل الحكومات لا يعني العودة إلى زمن الاشتراكية لأن الاقتصاد الرأسمالي عندما تصيبه بعض الأحداث يستعين بأساليب متعددة للتصحيح، لذا يمكن القول إن ما نراه اليوم هو رأسمالية معدلة".
أما الدكتور مختار خطاب وزير قطاع الأعمال العام السابق في مصر، رئيس مجلس إدارة شركة الأفق للاستثمار والتنمية الصناعية، فدعا إلى معالجة الخلل الحاصل حاليا عبر تفعيل رقابة الدولة على المصارف التجارية، وكذلك الرقابة على بنوك الاستثمار بواسطة البنوك المركزية، ومراقبة الأنشطة كافة المتعلقة بخدمات التجزئة في المصارف ووضع ضوابط لها، مشددا على أهمية توظيف الاستثمارات العربية داخل البلدان العربية والاستفادة من المزايا النسبية لكل دولة.
من جهته أبان الدكتور جوزيف طربية رئيس الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب، أن انعكاسات الأزمة المالية على العالم العربي بدأت تظهر على شكل شح في السيولة وتشدد في الإقراض، وتدخل من قبل الحكومات والمصارف المركزية لضخ السيولة في الأسواق، مشيرا إلى أن تحديد الانعكاسات على المدى البعيد يتطلب بعض الوقت.
أما أحمد طنطش الرئيس التنفيذي لشركة الثقة للاستثمارات الأردنية، فقال إن للأزمة آثارا مباشرة وغير مباشرة على المصارف في منطقة الشرق الأوسط، فبعض البنوك في المنطقة تملك استثمارات في أوراق مالية متعثرة، كما أن بعض البنوك قامت بإقراض مصارف متعثرة، حيث إن العالم العربي لا يزال في منأى عن أية مشكلة حقيقية، لكن ما حدث هو أن المصارف التجارية ونتيجة لتعليمات المصارف المركزية أصبحت متشددة في الإقراض لأسباب عديدة منها التخوف والرغبة في الحفاظ على السيولة، كما أنه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه وعدم قدرة البنوك العربية على تمويل المشاريع الضخمة، فستتوقف العجلة الاقتصادية.