التأمين وخطف الناقلات.. هل سنضطر إلى نقل نفطنا بالطائرات؟

حبس العالم أنفاسه وهو يتابع عملية الخطف التي حصلت في القرن الإفريقي لأكبر ناقلة نفط في العالم وهي ناقلة النفط السعودية (سوريوس ستار)، فحجم هذه الناقلة يصل إلى ثلاثة أمثال حاملة الطائرات، وحمولتها من النفط تقدر بحوالي مائة مليون دولار. هذا إضافة إلى أن عملية الخطف التي تعرضت لها هذه الناقلة تعد واحدة من أكبر عمليات القرصنة البحرية في التاريخ خصوصاً إذا ما علمنا أن القرصنة البحرية يمتد تاريخها إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام.
الإشكالية الأخرى أن هذه الجرأة التي وصل إليها القراصنة لم يمنعها التواجد الكثيف والتحرك الذي قامت به البحرية الدولية التي يشارك فيها حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وسفن للبحريتين الروسية والفرنسية بهدف حماية مسارات النقل البحري في أعالي البحار.
وبالرغم من أن الحديث هنا لا يسعه المجال لبيان الإشكاليات القانونية المرتبطة ببسط النفوذ على ما يعرف دولياً بأعالي البحار، وكذلك مفهوم المياه الإقليمية لكل دولة ومسئولية كل دولة عما يحدث من قرصنة في مياهها الإقليمية، ومسئولية المجتمع الدولي عن توفير الأمن في أعالي البحار أو المياه الدولية التي لا تخضع لنفوذ دولة معينة، فإن القراصنة بالتأكيد استغلوا هذا الوضع القانوني واستفادوا كذلك من الظروف السياسية الرئاسية التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية والضبابية التي تكتنف شعار الحرب على الإرهاب الذي تبنته الإدارة الأمريكية التي تستعد للرحيل عن البيت الأبيض، وكذلك التطور العسكري الذي وصلت إليه جماعات قراصنة البحر في القرن الإفريقي وحصولهم على تقنيات اتصال متطورة، كل ذلك ساعد على تزايد عمليات القرصنة في القرن الإفريقي وتنوعها وتفوقت على عمليات القرصنة في جنوب شرق آسيا، هذا إضافة إلى أن عمليات القرصنة في القرن الأفريقي تمثل ما معدله الـ 30 في المائة من عمليات القرصنة في العالم، وقد تفوقت القرصنة في القرن الإفريقي على مثيلاتها في المناطق البحرية الأخرى من حيث النوع والكم، وشملت سفناً تنقل بضائع حيوية وضرورية تهم المجتمع الدولي بأسره مثل النفط والسلاح.
الإشكالية الأخرى هي أن اهتمام الدول والتحالفات ذات التواجد العسكري في منطقة القرن الإفريقي كان بسبب الحرب على الإرهاب، ولذلك فإن الإشكالية كانت حول إمكانية الاستفادة من هذا التواجد العسكري لتوجيه جزء منه لمكافحة القرصنة البحرية باعتبارها وجهاً آخر من وجوه الإرهاب، خصوصا إذا ما علمنا أن جزءاً كبيراً من الإيراد الذي سيحصل عليه هؤلاء القراصنة سيوجه إلى تمويل نشاط الإرهاب. وهذا يكشف كذلك سبب الربط الذي قام به سمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل حينما تحدث عن القرصنة البحرية وربطها بالإرهاب.
وفيما يتعلق بالتأمين فإن تزايد عمليات القرصنة البحرية أدى إلى ارتفاع أقساط التأمين بما نسبته 20 في المائة ولكن ينبغي أن نعلم أن هذا الارتفاع ليس سببه تغطية خطر القرصنة البحرية ذاته فهو عمل في الغالب مستثنى من التغطية التأمينية وقلما تتجرأ شركة تأمين على التغطية خصوصاً في هذا الوقت بالذات ويظل مستثنى كذلك إذا تم ربطه بمفهوم الإرهاب الذي لا تغطيه شركات التأمين أيضاً، لذلك فإن سبب ارتفاع أقساط التأمين هو اضطرار ملاك هذه الناقلات إلى اتخاذ تدابير احتياطية تمنع القراصنة من التعرض لها، كأن يتم تعديل المسارات البحرية للناقلات وهو ما حصل بالفعل، والخط البديل عن ممر قناة السويس هو رأس الرجاء الصالح جنوب القارة الإفريقية وهذا بالطبع سيزيد من تكاليف الشحن بالنظر إلى المسافة التي تقطعها السفينة، والتي قدرها الخبراء بـ 250 ألف دولار للرحلة الواحدة مما سيؤثر بدوره في زيادة أقساط تأمين الشحن البحري.
أما إذا تم تغطية خطر القرصنة البحرية نفسه فإننا سنتحدث عن أرقام خيالية ستضطر السفينة طبقاً لها أن تبقى جاثمة في الميناء ولربما لأصبح نقل النفط والبضائع بالطائرات أقل كلفةً وأكثر أمناً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي