رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل تتحول المملكة إلى دولة مستوردة للمنتجات النفطية؟

بلغ معدل إنتاج المملكة من النفط الخام عام 2007م، الذي يعد الأعلى عالميا، نحو 8.8 مليون برميل يوميا، كان معدل حجم الصادرات منها إلى 6.25 مليون برميل يوميا، فيما جرى تكرير أكثر من مليوني برميل يوميا في مصافي التكرير الستة التي تملكها "أرامكو السعودية"، إضافة إلى المصفاتين اللتين تشترك في ملكيتها مع شركات نفط عالمية IOC والمخصصة للتصدير. وتشكل الطاقة الإنتاجية للمصافي الستة التي تملكها "أرامكو" بالكامل نحو 65 في المائة من إجمالي طاقة التكرير في المملكة، فيما تشكل النسبة الباقية حصة المصافي المشتركة مع الـ IOCs.
وفي هذه المقالة سيتم التركيز على جوانب العرض والطلب لمنتجات تكرير النفط في المملكة مع تقديم رؤية للصورة التي قد تطرأ على موازنة العرض والطلب في السوق المحلية خلال الفترة المقبلة.

الإنتاج والاستهلاك المحلي للمنتجات النفطية المكررة
ينتج عن تكرير النفط الخام منتجات متنوعة مثل: النافثا، الجازولين (الذي يطلق عليه محليا خطأ البنزين)، الكيروسين، وقود الطائرات، الديزل، وهي الأعلى قيمة مقارنة بمنتجات المصفاة الثقيلة الأخرى كزيت الوقود الثقيل heavy Fuel Oil والأسفلت. ويعتمد حجم التنوع في منتجات مصفاة التكرير على تصميم المصفاة ونوع الخامات التي يتم تكريرها. وتمتلك المصافي مرونة لتعديل التوزيع النسبي للمنتجات حسب المواسم، ففي الشتاء مثلا يتم زيادة إنتاج زيت التدفئة، فيما يتم في الصيف زيادة إنتاج الجازولين لمواكبة الزيادة في الطلب عليه.
وفي المملكة يتم إنتاج المشتقات النفطية في مصافي التكرير لتلبية الطلب المحلي، مع تصدير الفائض إلى الأسواق الخارجية، وفي مقدمتها الأسواق الآسيوية التي بلغت حصتها عام 2007م أكثر من 53 في المائة من إجمالي المنتجات النفطية المكررة. وبلغ إجمالي الطاقات الإنتاجية لمصافي التكرير في المملكة عام 2007م نحو 2.13 مليون برميل يوميا، فيما بلغ حجم الإنتاج الفعلي منها نحو 1.87 مليون برميل يوميا، أي بمعدلات تشغيل تصل إلى 89 في المائة وهي معدلات عالية بالمعايير العالمية.
#3#
ويبين الجدول (1) ميزان العرض والطلب على المشتقات النفطية في المملكة خلال عام 2007م، الذي تبرز قراءته إشارات مهمة، أولها أن معدل العرض يفوق الطلب لمعظم المنتجات النفطية المكررة باستثناء الجازولين والفائض من الإنتاج يتم تصديره للأسواق الخارجية، وثانيهما أن حجم الإنتاج من الجازولين بلغ خلال العام الماضي 351.7 ألف برميل يوميا فيما كان الطلب 400.4 ألف برميل يوميا، ما يعني وجود عجز وصل حجمه إلى نحو 49 ألف برميل يوميا.
ومن المهم التوقف عند العجز في سوق الجازولين في المملكة لمناقشة أسبابه، التي ترتبط في تقديري إلى حد كبير بتدني أسعار الجازولين في المملكة، الأمر الذي يحفز الاستهلاك بشكل كبير. وما يؤكد هذه الاستنتاج أن العجز في الجازولين وبهذا الحجم لم يكن عجزا مزمنا، بل برز بوضوح مع تخفيض أسعاره في السوق المحلية خلال السنوات الأخيرة. وفاقم المشكلة النمو الكبير في أعداد المركبات في المملكة، حيث تشير دراسة حديثة إلى أن النسبة المئوية للسكان الذين يملكون سيارات في المملكة ممن تجاوزوا سن الـ 18 عاما تعد من بين الأعلى على مستوى العالم. ومثلما هو موضح في الشكل المرفق، تحتل المملكة المرتبة الثانية عالميا من حيث عدد مالكي السيارات ممن تجاوزوا سن الـ 18 عاما، وبنسبة تصل إلى 86 في المائة من تلك الشريحة من السكان بعد الولايات المتحدة، التي احتلت المرتبة الأولى بنسبة بلغت 89 في المائة. وغني عن القول إن هذه النسبة العالية تعني عدد سيارات أكبر تحرق كميات أكبر من الجازولين وتتسبب قي ضغوط أكبر على شبكة الطرق إضافة إلى ما تسببه من تلوث بيئي.
إضافة إلى ما تقدم ذكره من أسباب، هناك سبب آخر وراء العجز في العرض من منتجات النفط المكررة في المملكة، وهو مرتبط بتدني أسعارها قياسا بدول الجوار، ما نتج عنه تنامي ظاهرة تهريب المشتقات النفطية إلى الدول المجاورة، وهو الأمر الذي أدى في فترات سابقة إلى حصول أزمات توقفت على أثرها مشاريع حيوية كمشاريع سفلتة الطرق،
ومعالجة هذا العجز تتطلب إجراءات لكبح جماح الاستهلاك المتزايد من الجازولين في السوق المحلية من خلال تشريعات تعيد النظر في تسعير هذا المنتج، وبموازاة ذلك ضخ استثمارات في المصافي القائمة لتحديثها ولتعظيم حجم الكميات المنتجة من المحروقات (الجازولين والديزل) ذات القيمة العالية. وهذه الحاجة تبدو جلية عند مقارنة نسبة حجم إنتاج الجازولين من إجمالي الطاقة التكريرية في المملكة التي بلغت عام 2007 نحو 19 في المائة، بعدد من الدول الأعضاء في منظمة (أوبك) مثل فنزويلا التي تصل فيها تلك النسبة إلى 28 في المائة، وإندونيسيا التي بلغت فيها تلك النسبة 46 في المائة، فيما كانت تلك النسبة مقاربة في إيران حيث بلغت 21 في المائة. وهذه البلدان الثلاثة تشترك مع المملكة في كون أسعار المحروقات (الجازولين والديزل) تباع في أسواقها المحلية بأسعار مخفضة لا تعكس تكاليف إنتاجها مستندة إلى دعم حكومات تلك الدول، الأمر الذي يفسر معدلات الطلب العالية على المحروقات فيها وبالتالي تصميم مصافيها لإنتاج كميات أكبر من هذه المنتجات لتغطية الطلب المحلي عليها، ويأتي ذلك على حساب فرص التصدير التي من الممكن أن يحققها بيع تلك المنتجات المكررة في الأسواق الخارجية.

الاستهلاك المحلي من منتجات التكرير .. أرقام ودلالات
اتسم الاستهلاك المحلي لمنتجات النفط المكررة خلال العقدين الماضيين بارتفاع قوي ومتواصل، ويتجلى ذلك من خلال متابعة المسار التاريخي لمعدلات الاستهلاك خلال الفترة 1987 – 2007، الذي يبين القفزات الكبيرة والمتتالية في حجم الاستهلاك المحلي لمنتجات النفط المكررة في المملكة حسبما هو موضح في الجدول (2).
#4#
ففي عام 1987م كانت نسبة الاستهلاك المحلي إلى إجمالي حجم الإنتاج 45 في المائة ارتفعت إلى 50 في المائة عام 1992م، وحافظت على المستوى نفسه عام 1997م وبنسبة تزيد قليلا على 51 في المائة، ثم عادت إلى الارتفاع عام 2002م إلى 66 في المائة وحققت قفزة كبيرة في العام الماضي وبنسبة تصل إلى نحو 75 في المائة من إجمالي حجم الإنتاج.
ويعد ارتفاع حجم الاستهلاك المحلي عام 2007م الأعلى خلال الفترة الماضية، حيث ارتفع قياسا بمستويات عام 2006م بنحو 6.6 في المائة، وهذا المعدل يعادل نحو ستة أضعاف نسبة ارتفاع حجم الاستهلاك العالمي خلال السنة ذاتها، حيث كانت نسبة ارتفاع الاستهلاك العالمي للمنتجات النفطية المكررة 1.2 في المائة فقط نسبة إلى مستواه عام 2006م!
هذه الزيادة المطردة في الطلب على المنتجات النفطية المكررة في السوق المحلية تعد من بين الأعلى عالميا وتتسق مع توقعات وكالة الطاقة الدولية التي تشير إلى أن النمو في الطلب المحلي على هذه المنتجات سيرتفع بنسبة 50 إلى 70 في المائة عن مستوياته الحالية بحلول سنة 2030م. وإذا افترضنا أن هذا النمو القوي في الطلب سيستمر بالقوة نفسها في السنوات المقبلة، فإن العجز في حجم المعروض من منتجات النفط المكررة سيتفاقم بشدة، ما يحتم سده من خلال الاستيراد لتلبية للطلب الكبير على المحروقات في المملكة.
#2#
أهمية التوسع في إقامة مصاف جديدة في المملكة
هذه المعطيات تجعل من المهم العمل على خطين متوازيين، الأول إعادة النظر في أسعار منتجات النفط المكررة لترشيد استهلاكها محليا، والآخر العمل على تسريع مشاريع المصافي الجديدة وعدم تأجيلها على الرغم من الأزمة المالية العالمية التي كانت سببا مباشرا في الإعلان عن تأجيل مشروعي "أرامكو" لبناء مصفاتين للنفط في الجبيل وينبع بالمشاركة مع شركات نفط عالمية إلى إشعار آخر، على الرغم من أن الإعلان أكد التزام "أرامكو السعودية" وشركائها على استكمال هذه المشاريع الإستراتيجية متى ما انكشف الغموض الذي يلف أسواق النفط العالمية في الوقت الحاضر.
ومع الإقرار بأن صناعة تكرير النفط من الصناعات ذات الكثافة التقنية العالية والربحية المتقلبة، الأمر الذي يفسر أن الشركاء الأجانب في تلك المشاريع كان لهم دور كبير في هذا القرار لكون التوقعات ترجح أن يتراجع هامش الربحية في هذه الصناعة بشكل ملموس في ظل الظروف الراهنة، إلا أن بناء مصاف جديدة في المملكة أضحى خيارا استراتيجيا للمملكة أكثر من أي وقت مضى في ضوء التوقعات أن يحتل الخام الثقيل حصة متنامية في إنتاج المملكة خلال فترة ما بعد عام 2010م . ففي السنوات الماضية تم التركيز على إنتاج النفوط الخفيفة لقيمتها العالية، لكن من المتوقع أن يحصل بعض التغيير في هذا الاتجاه، حيث سيتم إنتاج مزيد من النفوط الثقيلة، وهو ما يجسده تطوير حقل منيفة البحري الذي سيبدأ في إنتاج نحو مليون برميل من النفط الثقيل والغني بالكبريت منتصف عام 2011م. ومن هذا المنطلق أصبح توجه المملكة لإقامة مصافي تكرير جديدة موجهة في الغالب للتصدير ضرورة ملحة لكون هذا التوجه الاستراتيجي يجسد المزاوجة بين مصلحة اقتصادية وطنية (تتمثل في تعظيم للقيمة المضافة للنفط الخام الثقيل وسد الحاجة المتنامية للمنتجات النفطية المكررة لمواكبة الطلب المتنامي عليها من القطاعات الاقتصادية وفي مقدمتها القطاع الصناعي)، ومسؤولية عالمية لضمان معالجة النقص الحاصل في أسواق منتجات النفط المكررة، حيث إن معظم المصافي العالمية غير مصممة لتكرير الخام السعودي الثقيل الغني بالكبريت، الأمر الذي يجعل بناء مصافي خارج المملكة وداخلها لمعالجته ضرورة ملحة.
يبقى موضوع تمويل مشاريع المصافي الجديدة، وهنا يمكن البناء على تجارب ناجحة للدولة بتنفيذ مشاريع عملاقة في قطاعات أخرى بمشاركة القطاع الخاص المحلي Private-Public Partnership، وقد تبدو هذه الصيغة هي الأفضل في ظل الأزمة المالية العالمية لسد الصعوبات التي قد تواجهها عمليات تمويل هذه المشاريع العملاقة والاستراتيجية. ويتسق هذا التوجه مع توجه الدولة لتنفيذ مصفاة جازان من قبل مجموعات من الشركات الوطنية بالمشاركة مع شركات نفط عالمية، وإن كان المأمول أن تدخل في هذه الشراكة "أرامكو السعودية"، لما لها من خبرات فنية وتسويقية في هذا القطاع، ما سيساعد على نجاح هذا المشروع، إضافة إلى مشاريع مصافي الجبيل وينبع المؤجلة والتي تبقى جدواها عالية على المدى الطويل، وهو الأمر الذي سيجعل عملية تمويلها مضمونة نسبيا حتى وإن أضحت تكلفة التمويل أعلى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي