رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الوضع المالي في المملكة .. وكيفية إدارة الأزمة (2 من 2)

نواصل اليوم الحديث عن آثار الأزمة العالمية وذكريات الحرب العالمية ونركز في هذا الجزء على الوضع المالي في السعودية وكيفية إدارة الأزمة.
إن المتتبع لتصريحات المسؤولين في البلد وعلى كل المستويات يلمس مدى الثقة والاطمئنان اللذين يغلفان اقتصادنا بحاجز قوي ضد صدمات هذه الأزمة. فعندما يؤكد لنا خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ أن الاقتصاد الوطني يمر بمرحلة ازدهار في هذه الفترة وأن آثار الأزمة الاقتصادية العالمية ستكون محدودة بسبب نهضة الاقتصاد المحلي, ويؤكد ـ رعاه الله ـ سلامة الوضع المالي للبنوك المحلية, وتوجيهه ـ حفظه الله ـ مؤسسة النقد العربي السعودي بأن تٌتابع الوضع الحالي للبنوك للتأكد من سلامتها وتوفير السيولة اللازمة لها عند الضرورة. كما يؤكد لنا أيضا أمين عام المجلس الاقتصادي الأعلى المكلف ومحافظ هيئة سوق المال أن هذا الأمر يشغل بال الوالد القائد وأنه دائم التوجيه لما يوفر الاستقرار والطمأنينة لدى المواطن والمستثمر. وفي السياق ذاته يؤكد لنا وزير الاقتصاد والتخطيط أن الاقتصاد السعودي سيستمر في حالة النمو والازدهار رغم ما يحصل في العالم من اضطرابات, ويأتي هذا الكلام مدعماً بما أعلنه وزير المالية أيضاً عندما يؤكد أن هذه الأزمة لن تؤثر في مستوى السيولة في البلد ويؤكد أن هناك فوائض مالية ستستغل لخدمة مشاريع التنمية. كل هذه التصريحات وغيرها كثير أتت لتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المملكة ـ ولله الحمد ـ تمر بظروف متميزة ستوفر لنا الحماية من تأثيرات هذه الأزمة العالمية. هنا أوكد أننا سنكون أقل من غيرنا في التأثر بنتائج هذه الأزمة. ولكن يطرأ لي هنا استفسار جديد أحب أن تشاركوني فيه وهو: ما دورنا كمواطنين في مساعدة الأجهزة الرسمية في البلد للحفاظ على المملكة بمنأى عن تبعات الأزمة؟
إن التصريحات الرسمية وحدها لا تكفي لتحقيق الاستقرار للسوق المالية ولا للاقتصاد المحلي إلا بتعاون وتكاتف الجميع لتحقيق الثبات والاستقرار ودرء مخاطر الهبوط عن السوق بكاملها، وهنا قد يكون من الملائم أن نطرح بعض النقاط التي قد تسهم في درء بعض المخاطر المحيطة بالسوق والمستثمرين:

أولاً: على المتعاملين وتجار الأسهم أن يتحلوا بالطمأنينة والثقة بأن تأثير هذه الأزمة لن يكون كما يُخيل لهم، فالسوق السعودية ما زالت سوقاً مستقلة ولا ترتبط بالأسواق العالمية كثيراً، وهذه ميزة على الأقل في هذه الفترة, حيث إننا لن نرى إفلاسات قادمة ولا تأثيرات سلبية كبيره إذا ما تعاملنا مع السوق بطريقة طبيعية ومن دون خوف أو تحرز. أما إذا كنا سنتتبع الشائعات والأضواء الحمراء للأسواق العالمية فإننا نُسير السوق إلى حافة الهاوية بأنفسنا ودون أي تأثير خارجي حقيقي, وعليه يجب أن يتحلى الجميع بقدر عال من الوطنية وتجنب المصالح الشخصية قليلاً حتى تمر هذه الأزمة.
ثانياً: إن على إدارات البنوك ومؤسسات الاستثمار أن تسهم في إجلاء هذه الغمة بالمساهمة الإعلامية والتثقيفية أولاً، وبالعمل على إيجاد بدائل استثمارية قصيرة الأجل لتوفير السيولة وتحقيق العوائد المقبولة للمستثمرين والمستفيدين منها. إن البنوك, وهي المستفيد الأول من الاقتصاد الوطني, لا تسهم بالشكل المقبول في الازدهار والتنمية، فالدولة تحافظ لها على مستويات السيولة وعلى تغطية القروض العامة والخاصة وعليها في المقابل أن تقدم ولو جزء يسيراً مما تحقق للإسهام في تحقيق الاستقرار والنماء للبلد حتى لا تهتز مكانتها مستقبلاً مع دخول منافسين جدد في السوق.
ثالثاً: الوزارات المختصة وهيئة سوق المال في حاجة إلى مزيد من الدراسات والقرارات التي تساند السوق في هذه الفترة والتجهيز للمرحلة الانتقالية المقبلة لتطوير ومواكبة التغيرات العالمية. فما زلنا في حاجة إلى كثير من تنظيمات الشفافية والمسؤولية على مستوييها المهني والاجتماعي لإضفاء مزيد من الاستقرار ولخلق البيئة الحاضنة للاستثمارات المستقبلية. فهذا أنسب وقت لإضافة تنظيمات جديدة للسوق، كما هو معمول به في أغلب دول العالم, حيث إن الأزمات تعطي الفرصة لفرض التغيير وتقليل ردة الفعل المضادة له.
إضافة إلى ما سبق فإننا يجب أن نعي ونفهم كثيرا من الدروس التي يجدر بنا تبنيها والمداومة عليها للخروج من الأزمة بسلام، ولتهيئة الاقتصاد لمرحلة ما بعد الأزمة. وهذه المرحلة ستكون مهمة لنا جدا, حيث إننا ـ إذن الله ـ سنكون من أقل الدول تأثراً بالأزمة ولن نحتاج إلى فترة طويلة لاستعادة ما فقدناه، فالمقدرة موجودة ـ بإذن الله ـ وكل ما تحتاج إليه منا وقفة جادة للتطوير والارتقاء بالمستوى الحالي لمستوى أفضل وأجلب للخير، وعليه فيجب أن نعي التالي:
1- أن الشائعات تلعب دوراً محورياً في التأثير في أداء الأسواق المالية، وما لاحظته في الفترة الماضية من أن السوق السعودية خصوصاً والخليجية عموماً تستجيب لهذه الشائعات بسهولة كبيرة، وهذا يخلق فرصا استثمارية يسعى إليها مجموعة من المستثمرين الذين لا يتحلون بأي قدر من الأخلاقيات المهنية للتعامل مع الأزمات.
2- الشفافية، الشفافية، الشفافية. هنا يبرز دور هذا العنصر الكبير في حماية السوق من الأزمات قبل حدوثها وفي حمايته أيضاً من مضاعفة الخسائر في وقت الأزمات. إن التدخل الحكومي أصبح أمرا ملحاً من خلال تطوير نظام لائحة حوكمة الشركات للسماهمة في إلزام الشركات بقرارات وتوجيهات هذه اللائحة مع حفظ حق المشرع في التدخل لإيقاف وتنظيم أي خلل أو نقص قد يظهر مستقبلاً.
3- في مثل هذه الظروف وعندما نرى الكل يحاول التخلص من استثماراته وأسهمه، تظهر لنا الحاجة إلى تطوير بدائل جديدة للاستثمار في سوق الأسهم، فالتوجه إلي الاستثمار المنظم من خلال إنشاء المؤسسات المتخصصه لإدارة وتشغيل هذا النوع من الاستثمارات هو الحل الأمثل لتجنب تأثر السوق بتصرفات أفراد لا يلامون في محاولتهم المستميتة لإنقاذ ولو جزء يسير من أموالهم، خصوصاً إذا عرفنا أن جزءا كبيراً من هؤلاء المضاربين لا يعون الأسلوب الأمثل لإدارة مثل هذه الأزمات ولتأثرهم بالتوجه العام للسوق، ولنا هنا أن نسأل عمن هو المستفيد من تحقيق الفوائد والفوز بالجزء الأكبر من الكعكة؟
4- إن إخراج جيل متعلم يمارس مثل هذه الحالات سيخلق نوعا من الاستقرار مستقبلا للسوق بوجود متعاملين مؤهلين أكاديمياً وعملياً على طرائق الاستثمار وممارسين جيدين عاصروا وواكبوا مثل هذه الأزمات في بيئة تصورية للسوق الفعلية، ولهذا فإن جامعتنا اليوم مطالبة وبإلحاح بتطوير مناهج خاصة لطلابها فيما يتعلق بالاستثمار ووسائله وأدواته، وهذا ليس بالأمر الصعب تحقيقه, خصوصاً مع وجود المتخصصين والدعم المالي المتاح.
5- إن تولي كل شخص مسؤولياته ومهامه يعني بالضرورة إيجاد قوانين صارمة لمحاسبة المسؤول عن الإضرار بالسوق، حتى تحقق السوق الاستقرار المنشود من المستثمر ومن بقية المستفيدين منها. وكما رأينا مما سبق فإنه لا يوجد لدينا ما يدعو للقلق ولا حتى لاتخاذ الحيطة والحذر من مخاطر السوق ومع ذلك فقد تأثر السوق تأثراً كبيراً يجب أن يستقصى المسؤول عنه سواء جهات فردية أو مؤسسية وإنزال العقوبات الملائمة بها.
6- المحللون الماليون يلعبون دائماً دورا أساسيا في التأثير في نفسيات المستثمرين الأفراد خصوصاً, وهذا ما أراه قد غاب عن سوقنا في الفترة الماضية. هل السبب هو الإحباط الذي انتابهم مما يحدث دون مبرر أم أنهم سئموا هذا العمل، لهذا فإن الحاجة إلى إنشاء جمعية متخصصة تتعهد بتدريب وتأهيل المنتمين إلى هذا القطاع أصبحت لزاماً في هذا الزمن.

ختاماً: مع كل الدعوات بأن يحفظ الله سبحانه وتعالى على بلادنا أمنها واستقرارها، إلا أنه يجب علينا أن نكون على قدر من المسؤولية لتولي المهام الموكلة إلينا للنهوض باقتصادنا ووطننا إلى مصاف الدول المتقدمة, وهذه الفرصة التي لن تتكرر كل عام للنهوض والتقدم الاقتصادي. وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي