رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الرئيس أوباما ووعد التغيير

كنت يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني (نوفمبر) أستمع إلى الإذاعة البريطانية، بي. بي. سي العربية، وإذا بالمذيع يذكر خبراً طريفاً حول الرئيسين بوش وأوباما. قالت الإذاعة: وهي تتحمل مصداقية الخبر، إن أحد معاوني بوش في البيت الأبيض ذكر أنه عند ما زار أوباما الرئيس بوش في البيت الأبيض منذ أربع سنوات، رش مساعدو الرئيس  بوش يده بنوع خاص من المبيدات الحشرية قبل أن يمد يده ليصافح ضيفه! ولكن الرئيس، كما يذكر الخبر، لم يفعل ذلك عند ما زار أوباما البيت الأبيض بعد انتخابه  أخيرا لمنصب الرئاسة!
 ولا يختلف اثنان على أن انتخاب باراك حسين أوباما ليصبح أول رئيس من أصول إفريقية للولايات المتحدة كان حدثا عظيما لم يكن أحد على الإطلاق يتوقعه، سواء ًداخل أمريكا أو خارجها. ولا نشك في أن غالبية الشعب الأمريكي قد أصيبوا بالدهشة من هذا الرجل المغمور الذي بين يوم وليلة أصبح رئيساً لأعظم دولة على وجه الأرض، هكذا ودون أي مقدمات، ولم يمض على عضويته في مجلس الشيوخ إلا أربع سنوات. فقد كان ظهوره ونجاحه ومقدرته على تخطي جميع الحواجز والعقبات التي واجهته وتحديه لذوي الشهرة والخبرة جعلت منه معجزة زمانه.
 
ومنذ انتخابه والصحف العربية والعالمية تمتلئ  كل يوم بالمقالات والتعليقات حول هذا الموضوع، فكل يدلي بدلوه ويعبر عن إعجابه بما حققه هذا الرجل الذي لم يكن يملك مالاً كثيراً ولم يأتِ من عائلة ارستقراطية كبيرة ذات نفوذ في المجتمع الأمريكي. وصل إلى ما وصل إليه من اعتلاءٍ للقمة بمجهود شخصي وقدرة عجيبة على التغلب على المنافسين، وجاذبية تجعل حتى منْ ينافسونه  يحترمونه ويعجبون بلباقته وحسن منطقه وثقته المتناهية بنفسه. هو إنسان أقل ما يقال عنه إنه " فلتة " نادراً ما يجود بها الزمان.
 ولعل ما يميِّز أكثر الموضوعات التي يكتبها الكتاب ويتحدث عنها المعلقون، هو اعتقادهم أن " التغيير" الذي جعله شعاراً لحملته، يعني أنه سيغيِّر السياسة الأمريكية، خصوصا ًتلك التي كان ينتهجها سلفه. ولو فرضنا أنه فعلاً كان يقصد ذلك، فهو أول من يعلم أنه لن يستطيع عمل شيء يخالف السياسة الأمريكية التقليدية التي كانت قائمة لعقود طويلة مهما أوتيَ من الحنكة وقوة الشخصية، لا لشيء إلا لأن الذين يرسمون وينفذون الاستراتيجية الأمريكية  للسياسة الخارجية هم ثابتون في المؤسسات المختلفة، وغالباً لا يتغيرون بتغيير الرئيس. وما على الرئيس الجديد إلا الانتظار حتى يبدأ بتسلم التقارير السرية من إدارة الاستخبارات والمؤسسات الأخرى، التي عليه أن يستجيب لمضمونها، وقطعاً سيتصرف بموجب توصياتهم. وإذا كان باراك أوباما قد وعد بالتغيير إذا أصبح رئيساً، فقد عمل على إحداث تغيير جوهري، يختلف عما فهمه وتوقعه الآخرون، وهو تغيير "لوْن" الرئيس، وهذا في حد ذاته إنجاز تاريخي عظيم في البيئة الأمريكية.
 
وعلينا ألا ننسى أنه إلى عهد قريب، لا يتجاوز عِدَّة عقود، كان المواطنون في أمريكا من أصول إفريقية، لا يسمح لهم بدخول المرافق المخصصة لذوي البشرة البيضاء من أصول أوروبية، وأنه حتى في الوقت الحاضر يصعب على ذوي البشرة السمراء مهما بلغوا من المستوى التعليمي والكفاءة الإدارية أن يرَشَّحوا للمناصب العليا كعضوية مجلسي النواب والشيوخ وحكام للولايات إلا في حالات نادرة، فما بالك بمن يجرؤ على دخول سباق رئاسة الولايات المتحدة؟! ولكن أوباما  الذي انشقت عنه الأرض وبزغ نجمه ساطعاً في الأفق  خلال فترة قصيرة أمام دهشة السود والبيض على حد سواء، استطاع أن يكسب المعركة ويصل إلى قمة الهرم. وغداً سيصطف أفراد الحرس الجمهوري، من أبناء عِلية القوم ليؤدوا له التحية، ويمتطي هو وزوجته الإفريقية الأصل طائرة الرئيس، إيرفورس ون، ليحلِّق بها فوق رؤوس أسياده الذين طالما حرموا أجداد بني جلدته من أبسط الحقوق الإنسانية. وها هي زوجته السمراء تصبح سيدة أمريكا الأولى وتسكن البيت الأبيض، الذي كان إلى عهد قريب محرَّم دخوله على ذوى الأصول الإفريقية إلاَّ كخدم.
  وعلى الرغم من انشغاله المبكر بشؤون الرئاسة، إلا أنه وعائلته مهتمون باختيار نوعية الكلب الذي سيقتنونه ويعيش معهم في البيت الأبيض، ليتمم به بروتوكول تركيبة رئيس الولايات المتحدة ، ويسير أمامهم عند ما يتوجهون لركوب طائرة الهليوكوبتر المخصصة للرئيس، كما كان يفعل أسلافه من الرؤساء. ولا شك في أن كثيراً من المتابعين  يتساءلون بخبث عن اللون الذي سيختاره  باراك أوباما وزوجته لكلبهم! وإذا أرادت عائلة أوباما أن تتجنب التعليقات والهمز واللمز، فعليها أن يكون لون الكلب لا أبيض ولا أسود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي