أوباما انتصار لروح الشباب .. دروس للباحثين عن الخبرة

الأربعيني باراك أوباما لم يمنعه عرقه وحداثة سنه النسبية لأن يبلغ أعلى منصب قيادي عالمي في الوقت الحديث. هذا الحدث دفعني أن أبحث عما كتبه عن سيرته وسر نجاحه. فظاهرة باراك أوباما طعنت العنصرية بيد وأعطت للشباب وردة أمل ممزوجة بالثقة.
القارئ لسيرة باراك أوباما في كتابة The Audacity of Hope “thoughts on Reclaiming the American Dream”.، والذي كتبه باراك أوباما عام 2006، أي قبل وصوله لكرسي الرئاسة. بدأ باراك أوباما حياته السياسية في سن الخامسة والثلاثين عندما ترشح لمقعد في مجلس شيوخ عن ولاية إلينوي. فقد ذكر الكاتب باراك أوباما أن الناس قدروا قيمة ما لديه من حماسة وجدية وخيلاء الشباب، وهكذا أصبح عضوا في المجلس التشريعي لولاية إلينوي. وذكر أنه بعد ست سنوات قرر الترشح إلى مجلس شيوخ الولايات المتحدة، ولم يكن وقتها واثقا من نفسه إلى هذا الحد. مرة أخرى استطاعت روح الشباب أن تنتصر عندما وظف أربعة من المساعدين الأذكياء الشباب (في العشرين والثلاثين من العمر) إلى آخر ما كتبه في كيفية وصوله إلى مجلس الشيوخ الأمريكي قبل أن يصل إلى كرسي الرئاسة لأقوى دولة على وجه الأرض.
لم يتميز باراك أوباما بكونه أصغر رئيس منتخب للولايات المتحدة الأمريكية، لأن الرئيس السابق جون كيندي يعد إلى الآن أصغر رئيس منتخب عن عمر 43 سنة ومن أكثر رؤساء أمريكا شعبية (أصغر رئيس للولايات المتحدة الأمريكية كان ثيودور روزفلت لكنه تقلد الرئاسة ليس بالانتخاب ولكن بعد اغتيال الرئيس ويليام مكينلي، حيث كان نائبا للرئيس). لكن أوباما يختلف عن الرؤساء الشباب السابقين بعدم وجود امتداد تاريخي لأسرته في السياسة، فروح الشباب هي المنتصر في هذه الانتخابات على العرق واللون والخبرة. لذا أصبح باراك أوباما واحداً من أصغر أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي سناً وأول سيناتور من أصل إفريقي في تاريخ مجلس الشيوخ الأمريكي.
عند مقارنة ما تشترطه شركات القطاع الخاص في المؤهلات المطلوبة لتولي مناصب قيادية، وما تحقق من تولي الشباب مناصب قيادية عالمية لوجدنا أن المسافة تزداد تباعدا مع مرور الزمن. فلو كان الأمر لشركات القطاع الخاص لما انتصر أوباما ولا غيره من الشباب ولما بلغ القيادة إلا من بلغ من الكبر عتيا. فالشركات تشترط خبرات تعجيزية من أجل الحيلولة من وصول الشباب إلى قيادات عليا. فكثيرا ما نقرأ اشتراطات سنوات خبرة تكون حجر العثرة من توظيف الشباب. بل إن عدد سنوات الخبرة التي تتطلب من المتقدم للوظيفة تتجاوز أحيانا الخمس عشر أو عشرين سنة، على الرغم من أنها شركات لم تتجاوز الإطار المحلي.
فالشباب من الصعب وصولهم إلى مراتب قيادية في الشركات بسبب المبالغة في سنوات الخدمة قبل الوصول إلى مراكز القيادة، لذا نجد القليل جدا من الشباب من استطاع الوصول إلى مناصب قيادة بروح الشباب إلا في حالات الشركات العائلية.
المتأمل لتراثنا الإسلامي يجد أنه يحفل بكثير من القادة الشباب ابتداء من أسامة بن زيد في سن السابعة عشرة ومرورا بمعظم قادة بيني أمية (أعمارهم تروح بين الثلاثين والأربعين)، مرورا بمؤسس دولة بني العباس. فأول قائد بني العباس أبو العباس السفاح تولى القيادة في سن 27 سنة. كما أن أبا مسلم الخراساني الذي أسهم بدور بارز لتغيير حكم من الأمويين إلى العباسيين لم يتجاوز 27 سنة. بل إن التاريخ يخبرنا أن ألكسندر المقدوني، وهو من أعظم القادة الذين سيطروا على 90 في المائة من الأرض حكم وهو في العشرينيات من عمره.
أما على الصعيد الوطني، فإن الملك عبد العزيز - رحمه الله - مؤسسة الدولة السعودية الثالثة بدأ التفكير باسترداد الرياض عندما كان عمره لم يتجاوز 21 سنة،. أما أبناؤه فقد تقلدوا مناصب قيادية بروح الشباب. فالملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - قادة القوات السعودية لتهدئة التوتر في الجنوب، كما قاد القوات السعودية لفتح الحجاز وهو لم يبلغ العشرين من عمره.
أعود مر أخرى إلى كتاب أوباما وكيف أنه قبل أدائه القسم في مجلس شيوخ الولايات المتحدة الأمريكية عام 2005 فكر في عقد مؤتمر صحافي في مكتبه في ذلك الوقت كان ترتيبه 99 في السن.
الخلاصة أننا يجب ألا نبالغ في الاشتراطات الوظيفية للسنوات الخبرة. فالخبرة مهمة لكن المبالغ في عدد سنواتها هي ما تقتل روح الشباب وتصيبهم بالإحباط وتمنعهم من الوصول إلى مناصب قيادية. فإذا كانت كل الوظائف تشترط سنوات من الخبرة القيادية فهل الخبرة تبنى أم تولد؟ ومَن يعطي الفرصة الأولى لشبابنا لبناء الخبرة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي