رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


نهاية الطفرة الثالثة

ربما اعتبار الربع الثالث من 2008 هو نهاية الطفرة التي امتدت منذ النصف الثاني من عام 2003 بإعلان زوال حكم صدام حسين في العراق. وبذلك فإن الطفرة الثالثة استمرت أربع سنوات متتالية، لم يشبها إلا انهيار سوق الأسهم في سنة 2006. خلاف ذلك، فقد شهدت الطفرة الثالثة تحرير قطاع الاتصالات، والكهرباء والمياه، وقطاع التأمين، والسوق المالية، وفتح الاقتصاد للاستثمارات الأجنبية. كما أنشئت مئات الشركات في السعودية والخليج وبقية دول العالم بشراكة سعودية قوية، ودخلت سوقنا بنوك استثمارية محلية وأجنبية عديدة، وعديد من شركات التأمين، والشركات العقارية، والصناعية. وتوجه آلاف الأفراد إلى الاستثمار في أسواق الأسهم المحلية والخليجية، والمساهمات العقارية، وغيرها من المساهمات الحقيقية والوهمية في نشاطات عدة. وقامت مئات الشركات بإعادة هيكلة قانونية وإدارية من أجل التحول إلى شركات مساهمة، لتدرج أسهمها في سوق الأسهم لتحقيق أكبر عوائد ممكنة للمؤسسين.

باختصار، حدثت تحولات كبيرة وقوية، ظفر بها من ظفر، وفاتت على من فوت الفرصة، لتطير الطيور بأرزاقها، ونستفيق بعد عيد الفطر المبارك (نهاية سبتمبر) على أخبار الانهيارات المتتالية، بدءا من القطاع المالي الأمريكي، ومروراً بإغلاق آلاف الشركات في أصقاع العالم. بل إن دول كاملة أصبحت عرضة للانهيار. إذا فقد انتهت الطفرة وبدأت السكرة التي طيرت عقول الكثير وأفقدتهم صوابهم.

نعم – إنها الحقيقة – فقد بدأت مرحلة الركود، بل نحن نعيش الآن (وأتحدث عن الاقتصاد العالمي بما فيه الخليجي) مرحلة كساد. فقد تجمد جانب الطلب تماماً، ليصبح الحذر والانتظار هو سيد الموقف. لنصل إلى مرحلة كساد قبل أن نمر برحلة ركود. وهنا المأساة التي أدت بأسواق الأسهم في كل أصقاع العالم إلى الانتحار اليومي عن طريق الموت البطيء. إن انهيارات أسواق الأسهم هي بداية الكساد الاقتصادي الذي لا يمكن لأحد أن يتنبأ بنهايته.

ولكن الكساد في الغالب يوفر فرصا نتائجها طويلة المدى – على عكس الطفرة التي تظهر نتائجها سريعة – ومن تلك الفرص هو الاندماجات والاستحواذات التي تقوم بها الشركات الكبيرة أو محافظ الاستثمار الضخمة، التي تسعى إلى اقتناص الفرص الممتازة في الأسهم والسلع والعقارات. ولأن عملية التملك والحيازة والاندماجات تتطلب وقتا طويلا بين ثلاث وخمس سنوات، فإن مرحلة الركود قد تستمر من ثلاث إلى خمس سنوات عطفاً على عمليات التحول وهيكلة الشركات لتتمكن من التعاطي مع المرحلة المقبلة. وبخلاف نظرتي هذه، فإن احتمالا آخر قد يحدث بأسرع من عملية الحيازة والاندماجات. وذلك في حال عودة الثقة إلى أسواق المال، وعودة تدفق عمليات الإقراض بين البنوك بعضها بعضا، ومن ثم إلى المستثمرين خلال الشهرين المقبلين. وإذا تحقق هذا الاحتمال، فإننا قد نشهد عودة سريعة لتعافي الطلب وبداية الخروج من الكساد، وقد يتطلب ذلك نحو ستة إلى تسعة أشهر. ذلك أن ضخ المليارات من الدولارات، وخفض سعر الفائدة، والضمانات الحكومية، قد ينجح في انتشال الاقتصاد العالمي بأسرع مما نتوقع.

إننا نلحظ الآن تحرك الكبار (الصناديق السيادية، البنوك الاستثمارية الكبيرة، والمستثمرين الكبار) في البحث عن الفرص المتهالكة. كما نلحظ أن الشركات الكبيرة بدأت في البحث عن حيازة شركات تعمل في مجالها نفسه أو تكمل سلسلة أنشطتها الرئيسية. وهذا مؤشر إلى أن عملية الاستحوذات واستغلال الفرص قد بدأت بالفعل، لنبدأ مرحلة أخرى يقود فيها الكبار النمو الاقتصادي، ويختفي فيها الصغار الذين كانوا يعوقون حركة النمو كلما آن لهم ذلك بتركيزهم على المتاجرة في الأوراق المالية والمضاربة فيها عن طريق جني الأرباح السريع والبيع على المكشوف حتى لو ضر ذلك الشرائح الاقتصادية الواسعة، وأعاق النمو الاقتصادي، بل وأدى إلى الانهيار الذي نعيشه الآن. فأغلب ما نتجرعه الآن هو نتيجة تحويل الأصول الاقتصادية الحقيقية إلى أوراق مالية والمتاجرة والمضاربة عليها من قبل قرارات فردية في الأسواق المالية، مما أدى إلى الانهيارات المالية الكبيرة الحالية.

لذا فإنا نأمل من المرحلة المقبلة أن تكون مرحلة الكبار الذين يتسمون بالتحفظ والأناة وطولة البال لتحقيق تنمية مستدامة وناجحة. فهل نحن مقبلون على مرحلة استقرار اقتصادي يقوده الكبار؟ هذا ما أتمناه، لتعود الأمور إلى نصابها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي