ما الذي جعل أمريكا تفكر حتى مجرد التفكير في التعامل مع المصرفية الإسلامية؟
هل تستطيع أمريكا البقاء على قيد الحياة بدون التمويل الإسلامي ؟
خلال السنة المقبلة ستحتاج الحكومة الأمريكية إلى اقتراض مبالغ بحدود تريليون دولار، وهو أكبر قرض في التاريخ. وهناك تقديرات تضع رقما عالياً للقرض في حدود تريليوني دولار، ويتوقف ذلك على مدى سرعة تعافي الاقتصاد وسرعة هبوط الإيرادات الضريبية.
السؤال البسيط الذي لم تسأله أمريكا هو ما يلي: "من أين سيأتي المال؟" الحكومة الفدرالية تعرف الجواب منذ الآن على هذا السؤال، وهو جواب له مضامين ليس الأمريكيون مستعدين لها ولكنهم سيواجهونها عما قريب.
أمريكا ذاهبة الآن ويدها ممدودة إلى الدول المصدرة للنفط في الشرق الأوسط. الأمر الذي لا يقوله المسؤولون الحكوميون للشعب الأمريكي هو ما يلي: التمويل الإسلامي يأتي ومعه شروط وقيود غير لطيفة. سيتعين على أمريكا أن تلتزم بصورة متزايدة بالأحكام الشرعية، والأمور التي ينطوي عليها ذلك ليست مما يسر البال.
إنه لأمر يبعث على الذهول حين نرى واشنطون تعتنق مجموعة من القوانين الأجنبية التي تنطوي على إمكانية إحداث تغيير جذري للحياة في أمريكا.
مسرح الأحداث أُعِدَّ منذ فترة حين كان نائب وزير الخزانة الأمريكي روبرت كيميت في الخليج وقال إن وزارته تدرس مدى الاستفادة التي يمكن الحصول عليها من المصرفية الإسلامية في مكافحة الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.
من جانبه ذكر الشيخ القرضاوي، وهو من أكبر المتخصصين في مجال الاقتصاد الإسلامي، أن الرأسمالية على الطراز الأمريكي ينبغي استبدالها "بنظام اقتصادي إسلامي".
لا داعي لأن يعمل خيالك أكثر من ذلك. الأزمة المصرفية الأمريكية ألحقت أضراراَ فادحة بالنظام. كما أن واشنطون ليست الجهة الوحيدة التي أصبحت خالية الوفاض. كثير من الشركات الأمريكية تواجه انقباضاً ائتمانياً لم يسبق له مثيل، وهي تتحول الآن إلى الاستثمار الأجنبي للمحافظة على استمرار عملياتها اليومية. كثير من هذه الشركات، شأنها شأن الحكومة الأمريكية، تسد الفجوة بالتمويل الإسلامي.
حتى شركة بوينج، التي توجد لديها عقود ومقاولات عسكرية أمريكية والتي تعتبر أكبر شركة لصناعة الطائرات في الولايات المتحدة، أعلنت في 31 تشرين الأول (نوفمبر) أنها تجري مباحثات مع عدد من البنوك الخليجية للحصول على تمويل بحسب الأحكام الشرعية. وجاء في تقرير من بنك كندا الملكي Royal Bank of Canada صدر في وقت مبكر من هذا العام أن مئات المؤسسات المالية الأمريكية معرضة لخطر الانهيار. وهذه المؤسسات بحاجه ماسة إلى حقن الأموال النقدية حتى تتمكن من البقاء على قيد الحياة.
الحقيقة البسيطة هي أن الأموال لا بد أن تأتي من مصدر ما. والجهة التي تمتلك المال هي الجهة التي ستفرض شروطها.
في الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة الأمريكية أنها ستعطي مجموعة التأمين الدولية الأمريكية AIG قرضاً آخر مقداره 40 مليار دولار. يمتلك دافعو الضرائب في الأصل 80 في المائة من هذه الشركة، ولكن الذي لا يعلمه المواطن الأمريكي هو أن هذه الشركة هي الشركة الأم لشركة إيه آي جي تكافل (عناية)، وهي شركة تأمين تعمل وفقاً للأحكام الشرعية.
معنى ذلك أن المواطنين الأمريكيين يطيعون منذ فترة الأحكام الشرعية.
ولكن المصدر الأكبر للقلق هو أن وزارة الخزانة الأمريكية ربما تشجع المؤسسات المالية الأمريكية المعتلة، التي تنظر جوعى منذ الآن إلى أموال النفط العربي، إلى الدخول حتى في اتفاقيات بشروط أقسى مع البنوك الإسلامية.
وزارة الخزانة، بفضل القوة الهائلة التي منحت لها منذ الموافقة في أيلول (سبتمبر) على صفقة الإنقاذ البالغة 700 مليار دولار، هي "الآن في وضع يؤهلها لفرض التزامها بالتمويل الإسلامي على القطاع المالي الأمريكي". إذ إن قيام الوزارة بتأميم وكالتي فاني ماي وفريدي ماك، وشراء عدد من البنوك (17 بنكاً حسب آخر إحصاء)، والقدرة على تحديد من يحصل على القروض ومن لا يحصل عليها، كل ذلك يمكن أن يتحول إلى قوة اقتصادية هائلة ذات قدرة على الإكراه. وهذا احتمال حقيقي تماماً على اعتبار نائب وزير الخزانه نيل كاشكاري له صلات وثيقة ببرنامج " التمويل الإسلامي" الذي ترعاه وزارته.
حي وول ستريت في حالة دمار، ومسؤولو وزارة الخزانة يدركون أن حجم الأزمة يمكن أن يفوق قدرة الحكومة على احتوائها.
ما يدعو للأسف أن عواقب الدين الأجنبي لن يتم احتواؤها من قبل وول ستريت فقط. لدينا على ذلك دليل جيد هو بريطانيا. في وقت مبكر من هذا العام أثار أسقف كانتبري روان وليامز عاصفة من الجدل حين قال إن تطبيق الشريعة في بريطانيا أمر "لا يمكن تجنبه". تقوم حجته الرئيسية في ذلك على حقيقة مفادها أن بريطانيا عرضت نفسها بالفعل للتمويل الإسلامي، وأن الجوانب الاجتماعية والدينية للأحكام الشرعية بدأت تأتي مع تلك المبادرة.
حين تكون أنت المَدين، فإنك تفقد بصورة متزايدة قدرتك على مقاومة تأثير البنك الأجنبي، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغير ذلك. كيف تستطيع أن تجيب بالرفض لما يطلبه منك المقرضون؟
والآن تتعامل بريطانيا بصورة متزايدة مع مجتمع إسلامي داخلي وما له من نظام قضائي مواز يديره مجموعة من المشرعين الإسلاميين. لقد سمحت حكومة المملكة بإنشاء على الأقل خمس محاكم شرعية للنظر في قضايا الأحوال الشخصية. والرجال الذين يتخذ الواحد منهم أكثر من زوجة يستطيعون الآن في بريطانيا الحصول على الدعم المادي من الدولة لكل زوجة من زوجاتهم طالما كانت مراسم الزواج بالزوجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة قد تمت خارج بريطانيا.
ينبغي على الأمريكيين التساؤل عن السبب الذي جعل بلداً مثل أمريكا حتى يفكر مجرد تفكير في التعامل مع البنوك الإسلامية بالدرجة الأولى. ماذا أصاب هذه الأمة العظيمة التي كانت ذات مرة المقرض للعالم وكانت كذلك رمزاً للرخاء والازدهار؟
من موقع Trumpet الإخباري الأمريكي.