مصرفي غربي يدعو إلى تكوين نظام اقتصادي هجين يجمع ملامح الرأسمالية والاشتراكية والإسلامية

مصرفي غربي يدعو إلى تكوين نظام اقتصادي هجين يجمع ملامح الرأسمالية والاشتراكية والإسلامية
مصرفي غربي يدعو إلى تكوين نظام اقتصادي هجين يجمع ملامح الرأسمالية والاشتراكية والإسلامية

دعا مصرفي غربي اقتصادات دول العالم إلى هجر الرأسمالية وتصميم نظام اقتصادي هجين بهدف تلافي تكرار سيناريو أزمة الانقباض الائتماني مرة أخرى في المستقبل.
وطالب توبي بيرتش، مصرفي سابق لدى جوليوس باير السويسري، بتكوين نظام مالي هجين يجمع أبرز ملامح الاقتصاد الرأسمالي والشيوعي، مع إضافة تعاليم التمويل الإسلامي إليهما.
ويراهن المدير الحالي لأحد صناديق التحوط على أن هذه الأنظمة الثلاثة تستطيع العمل معاً، لافتاً إلى أن أحد الأسباب وراء اختيار هذا النظام الثلاثي هو أن الغرب لن يقبل من الوهلة الأولى فكرة إنشاء نظام اقتصادي جديد يرتكز فقط على النظام المالي الإسلامي، وأنه لا بد من تقديمه أولاً إلى العالم كنظام مشترك مع نظامين آخرين مختلفين.
ويبرر الاقتصادي البريطاني وجهة نظره هذه لـ "الاقتصادية" بأن "التفكير في تصميم نظام مالي جديد ليس حلاً هروبياً، وإنما هو تفكير مستقبلي، على اعتبار أن الجيشان الاقتصادي يعتبر إيذاناً بالجيشان السياسي، وتاريخ الإنسان مبتلى بتطرف اليسار واليمين والحكومة القوية في مواجهة قوى السوق، التي انتهت جميعاً بالدموع".
وأضاف "لا يحدث التماسك الحقيقي إلا في زمن الحروب، حيث نأخذ على هوانا في انتقاء أفضل الناس والخطط للاتحاد ضد العدو الخارجي. نحن بحاجة إلى اقتصاد يجمع بين العناصر الإيجابية للرأسمالية والشيوعية، وبحاجة إلى نظام بنكي يتعايش على نحو يغذي ويتغذى بالتعاون مع الاقتصاد، وليس مجرد نظام يسعى لتحقيق مطامعه، الإنصاف والتوازن والإيثار في التمويل ربما تبدو مغرقة في الخيال أو أنها قيم عتيقة، ولكننا بحاجة ماسة إلى مهارة التمييز والحكم عند القدماء".
وعلى خلاف تشكيكات بعض الكتاب العرب حول أخلاقيات الصيرفة الإسلامية، يجادل توبي أن "المصرفية الإسلامية يمكن أن ترينا -أي الغرب- سبيل الرشاد في العصور الحديثة".
و يعد توبي أحد المنظرين الاقتصادين في بريطانيا، فهو يملك في رصيده واحد من أكثر الكتب الاقتصادية مبيعاً. وما يميز آخر كتبه (الانهيار الأخير’) The Final Crashأنه تنبأ فيه بحدوث هذه الأزمة الحالية قبل عام من حدوثها. وعندما طرح نظرية النظام الاقتصادي الهجين كأحد الحلول لهذه الأزمة، ظن الناس، كما يقول في مقابلته مع "الاقتصادية"، أنه "غارق في الخيال". ويطالب توبي البنوك الغربية بأن تنهي التعامل مع الربا. ويرى بأن على القطاع الخاص الغربي تبني منهج تكون فيه "المبادئ المالية الإسلامية" حجر الأساس.

دروس العهد القديم
وعن حكمة تعاليم الاقتصاد الإسلامي مقارنة بالدول الرأسمالية، يقول توبي " من غير المعقول أن الناس الذين أوجدوا الظروف التي انتشرت وتنامت فيها الأزمة المالية هم أنفسهم الذين يُدعَون الآن لحلها. عمليات الإنقاذ القديمة نفسها المدفوعة بالديون هي السبب وليس العلاج، وهو من شأنه تعقيد المشكلة".
المشكلة الحقيقية هي أن هناك فلسفة ضالة تطالب بالتوسع الاقتصادي الدائم بصرف النظر عن تكلفة ذلك على البيئة أو على أجيال المستقبل. هذا النمو المزيف، المدفوع بخلق السندات الحكومية وقروض البنوك، يعمل أثناء ذلك على تذويب المال وتعطيل فاعلية الاقتصاد الحقيقي. ويواصل" هذا الأثر التضخمي كان مفهوماً بصورة كبيرة من قبل أسلافنا. الحكمة التي من هذا القبيل نجدها محفوظة في دول العالم الإسلامي، حيث نراها في تحريم الربا. ولكن المجتمعات العلمانية نست دروس العهد القديم التي كانت تحرم الربا".

هجر الرأسمالية
وعندما تم سؤاله عن رأيه في النظام الرأسمالي الذي تتبناه الدول الصناعية، قال توبي "هذه الأزمة الاقتصادية لا تزيد على كونها نهاية نظام فاشل لا بد من هجره وليس بعثه إلى الحياة من جديد. النظام البنكي القائم على وضع نسبة صغيرة من رأس المال كاحتياطي، أدى إلى إحداث خلل شامل وفقد التوجيه، على اعتبار أن قاعدة صغيرة من الودائع أوجدت مضاعفات هائلة من القروض، وهي في ذلك تشبه الهرم المقلوب على رأسه". وحتى في الوقت الذي يقوم فيه دافعو الضرائب بإنقاذ البنوك، فإنها، والحديث لتوبي، ما تزال مع ذلك مستمرة في أنانيتها مع تزايد عدد المصادرات من البيوت التي عجز أصحابها عن سداد الأقساط.
وذكر توبي الذي يخطط للعمل بعد أشهر من الآن في أحد البنوك الإسلامية البريطانية، " يعتبر التمويل الإسلامي البديل المثالي لهذا النظام الفائض عن الحاجة، على اعتبار أنه يفرض اقتسام الخسارة والربح وفي الوقت نفسه يزاوج بين المقترضين والمقرضين على نحو متوازن. كما أن فرض رسوم على التعاملات بدلاً من تحصيل الفوائد يزيل عامل الإغراء الذي يغري البنوك بإيجاد القروض دون تحفظ".

سراب الرأسمالية
ويرى توبي الذي يتقلد المدير التنفيذي لإحدى الشركات العائلية، أن على البنوك التقليدية الغربية أن تنهي التعامل بالفائدة لتقتدي بذلك بتعاليم الاقتصاد الإسلامي، حيث يقول "من حق الجيل المقبل علينا أن نحرره من الدين الحكومي ومن القروض السكنية. وستظل الأسواق الرأسمالية والبنوك التقليدية تقدم الخبرة والسيولة دون فوائد لتمويل شركات المشاريع، دون التضخم، فإن أسواق الأسهم تكون مستقرة، بحيث إن الاستثمارات تدر دخلاً من أرباح الأسهم، وليس من نمو رأس المال، ما يضاعف من العوائد الحقيقية وبقدر أقل من التقلب على المدى الطويل".
#2#
يقول توبي الذي تأمل كتب التاريخ للاقتصاد الإسلامي، "يجب على العالم أن يتعلم فوائد التمويل الإسلامي، حيث إن مواطن قصور المصرفية التقليدية هي الآن في منتهى الوضوح. إن مفهوم التسعير الشفاف والتعامل المنصف يجب أن يكون جذاباً تماماً بالنسبة لعالم الشركات الذي ابتُلِي بالخداع". ويواصل في حجته"الاستثمار في الموجودات الحقيقية والمشاريع الأخلاقية يمكن أن يقدم بديلاً مقبولاً لسراب المنتجات المالية المهيكلة. لقد حفظ الإسلام تراث المعرفة الكلاسيكية خلال فوضى العصور الوسطى. وعلى هذا النحو بالضبط تستطيع المصرفية الإسلامية أن ترينا سبيل الرشاد في العصور الحديثة، وتعمل على تأسيس نظام مالي يقوم على الأفكار النيرة لأسلافنا".
ويستثمر المسلمون بكثرة في العقارات والموجودات الملموسة. كذلك، فإن من الأمور التي تلقى القبول عندهم المشاريع المشتركة والأسهم الخاصة ولكن دون الوقوع في ديون ثقيلة، وذلك لمنهجها في المشاركة، الذي يقوم على اقتسام المخاطر والأرباح، المسلمون الذين يأخذون قروضاً سكنية يدفعون الإيجار وليس الفائدة، وتقارب البنوك بين القروض والودائع، وتفرض رسوماً وليس هامش فوائد لتحصيل قيمة خدماتها. قد يبدو الأمر وكأنه تغيير في الألفاظ، ولكن هناك فرق مهم تماماً: بهذا النحو يتجنب النظام إيجاد الائتمان، الذي هو ذو طابع تضخمي بالنسبة للاقتصاد ويؤدي في النهاية إلى تدمير البنك لذاته. في هذا الشكل الناضج من التمويل لا توجد ضمانات أو برامج لحماية الودائع، ولكن الإقراض يتم على نحو مسؤول يفوق كثيراً ما يحدث في الإقراض التقليدي. البنوك الإسلامية هي بحسب طبيعتها صغيرة الحجم وذات رسملة جيدة ومحافظة.
وتابع توبي الذي تم ترجمة كتابه لعدة لغات ليست من ضمنها العربية، " بالنسبة لكثير من الناس يعتبر البنك المأمون الذي لا يدفع فوائد أفضل من البنك الذي يدفع 7 في المائة ثم ينهار".

الأكثر قراءة