عجيب يا وطن!
من المفارقات الغريبة أن ترى جهات حكومية أو شركات خاصة تضع خططا وتصدر أنظمة ثم تتخذ الوسائل التي تُفرغ النظام من أهدافه أو تؤجل تنفيذه, بل قد نرى أنظمة محددة واضحة الأهداف ولكن بنودا في نص النظام أو في لائحته التنفيذية تجعل من المستحيل تطبيقه بالمستوى المأمول منه, أو تترك بعض المواد في الأنظمة غير واضحة على أن توضح في اللائحة تعطي فرصة لضعاف النفوس أو للمتنفذين الاستفادة من هذه الثغرات لمصالحهم الشخصية، ثم نتعجب لماذا لا ينجح القطاع الخاص وبعض الجهات الحكومية في تطبيق النظام؟.. وعجيب يا وطن!
إذا رأيت نجاحا في وزارة أو هيئة حكومية فاعلم أن خلفه وزارة المالية واعلم أيضا أن أي قصور أو عدم تطوير فيها يرجع لوزارة المالية لعدم اعتماد متطلبات تلك الجهة أو استبدال أولوياتها أو عدم استحداث وظائف ضرورية ومطلوبة لإنجاز أعمالها.. وعجيب يا وطن!
إن بعض الجهات الحكومية تبلغ إيراداتها آلاف الملايين من الريالات ووزارة المالية لا تعتمد لها إلا بالقطارة مع أن الاستثمار في بعض هذه الجهات يزيد الإيراد ويقدم خدمة أفضل للمستفيدين والاقتصاد الوطني, ولماذا لا تخصص وزارة المالية نسبا يتفق عليها مع الجهات الحكومية التي تدر إيرادات مربحة للدولة تستقطع مسبقا لتغطي حاجاتها التطويرية التي ستزيد من إيرادات الدولة؟.. وعجيب يا وطن!
إن سياسات وزارة المالية تحيرنا من وقت إلى آخر مع أن هذه الوزارة أم الوزارات كما كانوا يسمونها ولديها أفضل الكفاءات الوطنية على جميع المستويات, فأحيانا كانت لا تخصص الأموال الكافية المطلوبة لكثير من الجهات الحكومية والمصالح والهيئات لأن الموارد قليلة والدين العام متضخم. وعندما تضاعف الدخل وازدادت المخصصات في المشاريع والوظائف وارتفعت الأسعار نرى الوزارة تطالب من وقت إلى آخر بإعادة المناقصات لارتفاع أسعار المشاريع أو تطالب بتطويل مدة التنفيذ, فلو استثمرت مؤسسة النقد قدرا كافيا من أموالها في الداخل وسرّعت "المالية" تمويل المشاريع والبنية الأساسية, ووضعت منهجا لتغطية تغير الأسعار للمواد الأساسية في كل مشروع, لأنجزت المشاريع واستفاد المقاولون بدلا من تعطيلهم المشاريع لتذبذب الأسعار الذي يدفعهم إلى الخسارة, ولكن قد يكون من فلسفة وزارة المالية, كما سمعناها سابقا, أن عليكم أخذ احتياطاتكم ولم يضربكم أحد على أيديكم لتتعاملوا مع الدولة.. وعجيب يا وطن!
ولا يكفي أن تعتمد وزارة المالية ميزانيات الجهات الحكومية, بل عليها الإسراع في صرف ما نُفذ دون تعطيل كما هو الحال الآن ولا عذر لها, ولا يستطيع كثير من الجهات الحكومية مواجهة وزارة المالية بل كسب ودها هو السائد .. وعجيب يا وطن!
وصرح رئيس المؤسسة العامة للموانئ ("الوطن" 24/1/ 2008) "أن ميزانية المؤسسة المعتمدة 1428/29هـ 827 مليون ريال والعام السابق 684 مليون ريال وبلغت إيرادات المؤسسة خلال عام 1427/28 هـ 2.5 مليار ريال بزيادة على العام المالي السابق التي بلغت 2.3 مليار ريال", أي أكثر من 65 في المائة إيراد صافي, أليس لنا الحق في أن نستغرب ونستفسر, لماذا كل هذه المشكلات القائمة في الموانئ السعودية؟ .. وعجيب يا وطن!
وشيكات من دون رصيد وكمبيالات بمئات الملايين ومع هذا لا يسجن أصحابها أو قد يوقف الضعيف فيهم مع أن النظام واضح, ولا يُشهر بهم في الصحف بعد تكرار أفعالهم ولا يمنعوا من فتح حسابات في البنوك وإن فتحوا لا يمنعون من تسلم دفاتر شيكات يكررون بها أفعالهم الإجرامية.. وعجيب يا وطن!
وتدرس وزارة الصحة "عكاظ" 26/10/2008) منع مختبرات القطاع الخاص من إصدار الشهادات الصحية للعمالة الوافدة وتحويلها إلى مختبرات الوزارة بسبب ضعف الرقابة في تلك المختبرات, الأمر الذي أدى إلى إصدار شهادات صحية غير سليمة". وهذه المختبرات الخاصة يصرح لها من قبل الوزارة نفسها, وهي التي تطبق شروطها ومواصفاتها وجودتها عليهم وهي التي تراقبهم. فهل فشلت الوزارة في الرقابة عليهم أم لا تثق بمن يراقب؟ فهذه مشكلتها, ويا ليتها تدرس كيف تشدد الرقابة على المختبرات الصحية الخاصة وتزيد من العقوبات وتلغي تراخيص المقصرين, وغدا قد تلغي الوزارة تراخيص المستشفيات الخاصة وتحول المرضى إلى مستشفياتها لضعف الرقابة فيها .. وعجيب يا وطن!
وزارة التربية والتعليم كانت تعين الخريجين في كليات إعداد المعلمين فور تخرجهم, وبعد تحويل الكليات إلى وزارة التعليم العالي ومع حاجتها إليهم تطالبهم بالتعيين عن طريق الخدمة المدنية التي تدخلهم مفاضلة, وهل يمكن أن يعمل متخرج متخصص تعليم ابتدائي إلا في وزارة التربية والتعليم ولكن هذا هو نظام التعيين.. وعجيب يا وطن !
ومعالي وزير الخدمة المدنية يحمل "المالية" مسؤولية تأخير تعيين 47 ألفا من موظفي بند الأجور ("عكاظ" 30/10/2008) وبنك التسليف والادخار يذكر أن دعم المليك يفرج عن 150 ألف طلب في حاجة إلى سبعة مليارات ريال ("المدينة" 28/10/2008) وماذا عن الطلبات الجديدة؟ ويصرح معالي وزير العمل عن حاجة وزارته إلى خمسة آلاف مفتش على الأقل لتقوم وزارته بواجبها ("المدينة" 5/11/2008)، وذلك عند أخذ القسم 24 مفتشا جديدا, وكم تحتاج وزارة التجارة والصناعة من مفتشين مؤهلين يستطيعون تفتيش الأسواق والبضائع المقلدة والمغشوشة والفاسدة؟ فأين وزارة المالية من هذه الاحتياجات وغيرها؟ وهل لمجلس الشورى دور في تسريع حاجات القطاعات الحكومية ليقوموا بواجباتهم أم يكتفي بالمناقشات ولوم الجهة على تقصيرها؟.. وعجيب يا وطن!
هل هناك أمل في تغيير فكر وزارة المالية وأسلوبها في تخطيط الميزانية العامة للدولة وتركها وضع الأولويات للجهات المتخصصة المستفيدة طبقا لخطط التنمية ومجالس المناطق؟ وهل هناك أمل في تغيير سياسة ترسية المناقصات على الأقل سعرا, حتى لو كان السعر بعيدا عن القيمة التقديرية للمشروع ويستبدل القرار بالأقرب إلى القيمة التقديرية وكفاءة وخبرة المقاول, أم سنفقد الأمل ونقول ....؟!