دبي وسنوات التحدي

نظراً لاستمرار تداعيات الأزمة المالية على الاقتصادات العالمية، بدأت دول العالم المتقدمة والناشئة بما فيها تلك التي لم تشارك مؤسساتها المالية في حفلة ارتفاع أسعار المنتجات المالية المرتبطة بفقاعة القطاع العقاري الأمريكي, بتكوين فرق عمل ولجان لمواجهة الآثار السلبية التي قد تطول اقتصاداتها. ويتفاوت تأثر الاقتصادات بالأزمة المالية العالمية تبعاً لانكشافها على المنتجات المالية المتضررة أو الأصول المالية السامة، ارتباط النظام المالي المحلي بالعالمي وانكشافه على مؤسسات مالية عالمية متضررة، تأثر القطاعات الاقتصادية المحلية الحقيقية نتيجة لتداعيات الأزمة, وانعكاس ذلك على القطاع المالي، شح السيولة نتيجة لانكشاف استثمارات عالمية ومحلية مزدوجة، وغير ذلك من الأسباب المباشرة وغير المباشرة. ويظل الحكم على قدرة مختلف الاقتصادات على تحمل الأزمة المالية في الوقت الحالي منوطاً بقدرة الجهات التنظيمية والحكومية على توفير السيولة اللازمة للاقتصاد والمؤسسات المتضررة، أما المؤسسات المالية الأقدر على تجاوز الأزمة فهي تلك التي تتمتع بقاعدة متينة من الودائع ومصادر السيولة. بناء على ذلك، فإن دول الخليج النفطية هي أكثر قدرة على تجنب التأثيرات السلبية للأزمة بالاعتماد على تراكمات عوائد النفط التي تكونت في السنوات الخمس الماضية بينما تعد البنوك الخليجية التي ترتكز إلى قاعدة صلبة من الودائع منخفضة التكلفة كالبنوك التجارية الإسلامية. وعلى الرغم من توافر الأدوات التي تسمح لدول الخليج بالتقليل من آثار الأزمة المالية إلا أن وجود تضخم غير منطقي في أسعار بعض الأصول قد يؤدي إلى تراجع أسعار هذه الأصول سواء أكانت أصولاً حقيقية أم مالية إلى قيمها الحقيقية التي تناسب بين مستويات العرض والطلب.
وبتناول عدة تقارير أوردتها صحيفة "فاينانشيال تايمز" الثلاثاء الماضي 18/11/2008 بشأن الوضع الاقتصادي في إمارة دبي، فإن الخطر الأكبر الذي يهدد اقتصاد هذه الإمارة يكمن في قدرتها على توفير السيولة للأذرع الاستثمارية الحكومية التي تعتمد بشكل كبير على الاقتراض لتمويل الاستثمارات الخارجية والمشاريع العقارية المحلية بجانب انفجار فقاعة القطاع العقاري التي تضخمت في السنوات العشر الماضية. ولتفادي الأثر السلبي للسيولة في اقتصاد دبي فقد كشف التقرير عن خطة تتضمن توفير الحكومة المركزية الإماراتية تسهيلات إلى حكومة دبي تبلغ نحو 33 مليار دولار موجهة بشكل رئيس للقطاع المصرفي وبعض المؤسسات الاستثمارية الحكومية. وبالنسبة إلى القطاع العقاري، فإن الجهود تركز على الهبوط التدريجي لأسعار العقار المتضخمة أصلاً لتجنب أي هبوط سريع قد يؤثر سلباً في القطاع ككل وينتقل إلى القطاع المصرفي ومؤسسات الإقراض العقاري كأملاك، حيث إن الاحتمال لا يزال قائماً بانخفاض سريع لأسعار الوحدات العقارية لتفوق العرض على الطلب وتوجه المستثمرين الأجانب وكبار رجال الأعمال إلى تسييل محافظهم العقارية في دبي لتغطية مراكزهم المالية التي تضررت في مناطق وقطاعات في مناطق أخرى. وسيؤدي سيناريو الهبوط السريع لأسعار العقارات إلى انتقال الأزمة إلى مؤسسات الإقراض المنكشفة على القطاع العقاري لتراجع قيم الرهون العقارية التي سيتبعها تراجع في أسعار الإيجارات, وبالتالي قدرة المستثمرين على سداد أقساط الوحدات العقارية بالاعتماد على عوائد الوحدات العقارية المستثمرة فقط.
خلاصة القول، يستهدف نموذج دبي في النمو تحويل الإمارة إلى مركز إقليمي وعالمي للتجارة، خدمات النقل والشحن الجوي والبحري، الخدمات اللوجستية، والخدمات السياحية. هذه الأهداف تتطلب تهيئة البنية التحتية بما فيها القطاع العقاري لتكون تنافسية على المستوى العالمي بما يحقق الأهداف على المدى الطويل. لذلك، فحتى مع تراجعات أسعار النفط ودخول الاقتصاد العالمي في مرحلة ركود، فإن التحدي الأساسي أمام دبي هو في إدارة الأزمة الحالية وتداعياتها في المدى المتوسط لحين تحسن مستويات نمو الاقتصاد العالمي وارتفاع الطلب على خدمات الإمارة بالاعتماد على فائض القدرة الذي تم إعداده في الأعوام الماضية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي