التعليم الإلكتروني بين الموضة وتفادي حدوث الفوضى
منذ عشرة أعوام والحديث عن التعليم الإلكتروني يتحول من "تعليم" إلى "تعلُّم" ومن تعلم إلى "تعليم عن بُعد", وهكذا .. تحت شعار "مواكبة التطور". قد يكون في ذلك ظاهرة صحية أن نقلِّب الأمور من عدة زوايا ونضع فيها وجهات نظر مختلفة، ولكن ما حدث في هذه الجامعة أو في تلك الكلية أو عن تلك الإدارة يدل على أننا لا نسجل الملاحظات ولا نستفيد منها ولا نسير وفق منهجية معينة أو لم نطلع على ما يحدث في العالم. في تشرين الأول (أكتوبر) عام 2007م أقيمت في عاصمة الأردن (عمّان) المؤتمر الرابع للتعليم الإلكتروني، والذي خصص لمناقشة ضمان جودة تقديم الخدمة التعليمية الإلكترونية في أفضل صورها وقوالبها, فما الذي كسبناه من ذلك التجمع؟. واقعيا أصبح التعليم الإلكتروني "موضة" تبرز مدى قدرتنا على اقتناء الأحدث في العالم واستخدام الأكثر تطورا، ولكننا لم نستوعب بعد مدى بعدنا عن الهدف لارتجالية تنفيذ بعض القرارات؟.
نحن نعيش الآن تجارب مركز التعليم الإلكتروني في وزارة التربية والتعليم والمركز الوطني للتعلم الإلكتروني والتعليم عن بُعد في وزارة التعليم العالي واجتهادات جامعات عديدة في إنشاء عمادات للتعليم الإلكتروني, ولكن كل ذلك يشير إلى غياب المرجعية في آلية العمل والإشراف النموذجي والسير بأسلوب معتمد على نطاق واسع يقينا ما وقع فيه مَن سبقونا. قد يقول قائل إن كل جهة لها خصوصيتها وإمكاناتها وذاتها المستمدة من اللوائح المسيرة لأنظمتها وأعمالها ... إلخ, ولكن ألا نعتقد - لمجرد الاعتقاد - أن عدم مساندة الأجهزة المختلفة بتنظيم الشروع في أي برنامج مكلف، مثل هذا يعني الوصول إلى ما وصلت إليه مؤسسات تعليمية كبيرة على مستوى العالم, ثم أليس ذلك أشبه بتكرارنا الأخطاء التي تحدث في المشاريع العامة الأخرى، وبالتالي الوقوع في خسائر وإهدارا لجهود والنقود في زمن لن يعود؟.
من وجهة نظري لنكون إيجابيين، علينا أن نستفيد من تجمعنا القادم في نيسان (أبريل) من عام 2009م, كسبيل لتوجيه الفكر لما فيه الفائدة العامة قبل أن تصبح الموضة أشبه بفوضى، إن جاز لي التعبير عنها بهذا المصطلح. ولنا أن نناقش بجدية عدة محاور، أهمها: التركيز على المفهوم والتوجه وأهداف العملية برمتها, فليس إعداد موقع للاطلاع على محتوى المادة، لأننا انتقلنا من المقررات الاعتيادية المطبوعة إلى الرقمية المرفوعة على موقع هو هدفنا, كما أنه ليس مصنعا يتم فيه ابتكار الطريقة، ومن ثم صهر المعدن وإخراج جهاز يتكلم معنا. ثم لا بد من تغيير لغة محاورة الطلاب فلا لهجة التعلي والتوبيخ ولا التهديد والوعيد ولا صور أستاذ المادة في أوضاع مختلفة هو الهدف من العملية لأنها بعيدة عن ذلك كل البُعد. ثانيا: اللغة العربية لها طابع وقوالب وملحقات في كتابتها ونطقها، وتركيبتها بصفة عامة لا تساعد أن تتوافق مع اللغة اللاتينية ومعظم لغات العالم، وبالتالي ما مدى إمكانية تعميم مثل هذا الأسلوب من التعليم بالقوالب المتداولة حاليا؟. ثالثا: مستوى التعليم بين الشعوب العربية المستخدمة للإنترنت والكمبيوتر لا يزيد على 25 في المائة، ما يشير إلى احتمالية توقف المشروع في محطات قد تؤخر إنجازه، فهل ما اتخذ من تدابير يساعد على الانتشار بشكل ناجح؟. رابعا: الخوف الاجتماعي من الاختلاط أو الاختلاء الإلكتروني، حيث الجنسين على الخط وفي وجود الكاميرات ما زال مجال حوار بين كثير من تلاميذ أكثر من جامعة لدينا, فهل كانت المرأة على الطاولة حينما دار النقاش حول تنفيذ الفكرة كمشروع مستقبلي؟. خامسا: كثير من (البروفيسورات) ـ وهم محور العمل ـ لا يستخدمونه، نظرا لتعودهم على الطرق التقليدية، ما يعني أننا في حاجة إلى 15 سنة أخرى من الآن لنسقط هذا المعوق من الحسبان، فهل سننتظر هذه المدة أيضا؟. سادسا: ذوو الحاجات الخاصة والمصابون بعمى الألوان الأقل سرعة في التجاوب مع النظام فماذا أعددنا لآلية التنفيذ؟. سابعا: استمرار ضعف خدمات الاتصالات وبالذات في تقديم الخدمة أينما ووقتما أرادها المستفيد، وبالسرعة نفسها التي اشتراها تدل على تكرار أكبر المشكلات التي واجهت المؤسسات التعليمية الكبيرة وهي الآن نسخة تتكرر لدينا. امتدادا لذلك فمشكلات التقنية خلال الاتصال ومحاولة تنزيل أو رفع الوثائق في هيئاتها المختلفة وباستخدام برامج مختلفة غير متوافقة مع نظم المؤسسة العلمية أو لم تكن مناسبة لسرعة الخط المباشر تحتاج إلى إعادة نظر, أما الخدمة والصيانة الإلكترونية على مدار الساعة فعادة ما تبدأ بشكل سليم ونموذجي ولكن ما تلبث أن تصبح كارثة لإهمالها وانتشار الاتكالية، كما هي عادة مشاريعنا، فهل لدينا خطوات احترازية؟, ثامنا: توفير مواد علمية على الموقع وليس بناء قدرة للطالب على التعلم يلغي أساس فكرة المشروع فهل وعينا لذلك, ومن ناحية أخرى من الصعب إتاحة المواد بجميع أنواعها وهيئاتها بعد عرضها وإمكانية بقائها في الموقع وبالذات أسئلة الاختبارات, فكيف ستعالج هذه القضية في "خصوصيتنا المعهودة"؟. تاسعا: استمرار ابتكار طرق العرض وتغير أساليبها للصور والنصوص ومقاطع الفيديو وابتكار أساليب توافق المحتوى مع العرض ببرامج مختلفة يوسع الفجوة بين مقدمي الخدمة ومستقبليها فهل سيكون ذلك سببا في فقد السوق، وقد أنفقنا وما زلنا ننفق ببذخ في هذا الاتجاه؟. وأخيرا هل ستكون هناك وحدة لمتابعة المصروفات والإيرادات للحكم على المشروع وطريقة تشغيله في المسارات المختلفة؟
المفترض الآن وضع استراتيجية وطنية من قبل الجامعات ووزارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم ووزارة التخطيط والاقتصاد الوطني والهيئة الوطنية للاتصالات وتقنية المعلومات تليها خطط تنفيذية لتحقيق أهدافها تمكن من التوجه نحو تنفيذ البرنامج في التخصصات بشكل متدرج وتقييم البرامج للاعتراف بها وبخريجيها، وإصدار الشهادات المعترف بها على مستوى العالم في مرحلة البكالوريوس ثم الدراسات العليا لاحقا. كل ما آمله أن تكون كل هذه البدايات تجارب بحثية تهيئ لوضع توصيات يستفيد منها المعنيون وليكون المشروع، إضافة لأساليب التعليم ولنواح أخرى أيضا, والله المستعان.