رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


نظرة واقعية لحوار الديانات والثقافات

كان شيئا إيجابيا أن تتبنى المنظمة الدولية, الأمم المتحدة, رؤية الحوار بين الأديان والحضارات والثقافات بدلا من نظريات الصراع والصدام, وهي الرؤية التي أطلقها وتبناها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز, وتنادى لها كل المجتمع الدولي بهذا اللقاء الأممي الموسع تحت قبة المنظمة الدولية لكي يتبنى هذا العالم, الذي أنهكته الحروب والصراعات التي أشعلها ويشعلها أصحاب الفكر المتزمت الشاذ. هذه الرؤية الإيجابية والإنسانية المضادة لتلك النظريات السوداوية المنبثقة ـ أي الرؤية ـ أصلا من صلب العقيدة الإسلامية المنفتحة على الأديان السماوية الأخرى بالاعتراف بها وبأنبيائها ولكن ضمن رؤية تصحيحية لمعتقداتها الدينية تنصح ولا تفرض "لكم دينكم ولي دين", وبهدف إشاعة ثقافة التعايش السلمي بين البشر مهما اختلفت أديانهم وثقافاتهم وألوانهم ومصالحهم, فالله سبحانه وتعالى بين في قرآنه أن الحكمة من تنوع خلقه هو التعارف "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" وليس التصارع والتقاتل, ولا يعني ذلك التوافق الاعتقادي بين الأديان, فجل الاختلافات جذرية ولا يمكن حلها إلا في حالة واحدة مستحيلة, وهي توحيد المعتقد, فإذا كنا كمسلمين مثلا نعترف باليهودية والمسيحية كأديان سماوية إلا أننا نؤمن بأنها قد نسخت برسالة محمد ـ عليه أفضل الصلاة والسلام, بينما اليهود والمسيحيون لا يقرون بالإسلام دينا سماويا ولا بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبيا مرسلا, ما البديل هنا؟ هل نتصارع ونتقاتل فيما يسمى الحروب الدينية كما فعل المحافظون الجدد في واشنطن فيما سموه الحرب على الإرهاب؟ أم نتعايش مع اختلافاتنا الدينية في أمن وسلام وإخاء إنساني لا يبغي فيه أحد على أحد؟ هذا هو جوهر الدعوة إلى حوار الأديان كما فهمته.
كان جميلا فعلا أن نرى معظم قادة العالم يلبون الدعوة للمشاركة في هذا الاجتماع الأممي دعما لفكرة الحوار وإرسائها كمبدأ عالمي حضاري وإنساني, فقد كان مظاهرة دولية قيادية لترسيخ هذه الفكرة وتعميق جذورها في العلاقات الدولية. ولم يكدر صفو هذا اللقاء الدولي المبهج والإيجابي إلا منظر جورج بوش مشعل الحروب, الذي سماها الصليبية الجديدة, في زلة لسان تعبر عما هو أكثر من خطأ في التعبير, وصنوه العتيد شمعون بيريز كأحد هؤلاء القادة وهما يتكلمان ضمن المتكلمين في الموضوع نفسه الحوار الإنساني, فآخر من يحق له الكلام في موضوع كهذا من هو على شاكلة بيريز سفاح البلدة اللبنانية "قانا" وممثل البلد الذي يريد عزل نفسه في دولة دينية صرفة لا تقبل التعايش وترفض الآخرين أو تسميهم "الأغيار" وتمارس ضدهم كل ألوان القمع الوحشي واللاإنساني كما يجري من حصار يفرض ومنذ أشهر طويلة على قطاع غزة, يقطعون فيه كل سبل الحياة عن سكانه, إلا أن هذا الوضع الشاذ الذي يمثله أمثال بيريز وبوش لن يعوق مسيرة هذه الفكرة, التي تتبنى اليوم من كل الفعاليات الدينية والسياسية والفكرية في العالم كله, فالمتضرر من فكرة الحوار والتعايش السلمي هم دعاة الصراعات الدينية على وجه الخصوص, والمؤمنون بأساطير وخرافات دينية وعنصرية وعرقية, أو من يسعى إلى توظيفها لخدمة أطماع نفعية.
نستطيع القول إن تبني المنظمة الدولية من خلال دعم هذا الكم الكبير من قادة العالم فكرة الحوار بين الأديان والثقافات والحضارات, هو فعلا انطلاقة بالعالم نحو مستقبل يكون فيه أكثر أمنا وأمانا وتعايشا وفق مبادئ الخير.. ولكن هل هذا يكفي؟ إطلاقا لا, ففكرة الحوار والتعايش يجب أن تكون متكاملة وشاملة, فلا قيمة لحوار وتعايش في ظل هذه الفوارق المعيشية الكبيرة بين شمال متخم بالغنى والتقدم وجنوب يعاني الفقر والتخلف, ولن يكون مقبولا به في ظل تقسيم البشر إلى أيد عاملة تطحن وأخرى مرفهة تستهلك, فعظمة رؤية الحوار كما انطلقت من هذه البلاد وعلى يد خادم الحرمين الشريفين كونها تمثل مشروعا حضاريا وإنسانيا متكاملا ينبثق من رؤية إسلامية لا تتعارض قوة إيمانها مع انفتاحها على الآخرين ضمن سياق إنساني ورفيع.
ما نتمناه فعلا هو أن يجد هذا المشروع الحضاري الكبير كل الدعم من كل قوى الخير في كل الديانات والثقافات والحضارات لدحر قوى الظلام والتعصب والتشدد وخرافة العرق المختار واللون السيد, وأن يتحول إلى مبدأ أممي يرسي علاقات جديدة بين الشعوب دون أن تفسدها الأفكار الشاذة الداعية إلى حسم الاختلافات بالقوة والعنف, والإسلام كدين وثقافة حية ومنهج هو الأقدر اليوم على إخراج العالم من أزمات الصراعات الدينية والثقافية والحضارية, كما سبق أن شع بنور المعرفة والتحضر على العالم قبل قرون طويلة, ولا تقلل من ذلك أو تفسده تهم جائرة وفاشلة وسخيفة له بالعنف والإرهاب.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي