رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


قمة العشرين .. هل كانت أولوياتها مناسبة؟!

قمة العشرين التي عقدت السبت وضمت زعماء أكبر 19 اقتصادا في العالم بإضافة إلى الاتحاد الأوروبي جاء بيانها الختامي غير مشتمل على أي إجراءات جديدة للحد من تأثر الاقتصاد العالمي بالأزمة المالية التي تعصف به، حيث إن ما أعلن عنه من إجراءات تحفيزية لا يعدو كونه إجراءات سبق اتخاذها من قبل الدول المجتمعة كل على حدة، ولم يصل الاجتماع إلى أي خطوات إضافية منسقة بين دول المجموعة في هذا الشأن، وركز البيان الختامي بدلاً من ذلك على الإصلاحات المطلوبة في النظام المالي العالمي، وفي مؤسساته الدولية وتحقيق الشفافية وتحسين أنظمة الرقابة المالية في كل دولة، بهدف الحد من إمكانية تكرار هذه الأزمة مستقبلا. والحقيقة أن هذا اللقاء ورغم أنه الأول على مستوى القمة لمجموعة العشرين منذ تأسيسها عام 1999، إلا أن التوقعات لم تكن في الواقع متفائلة جدا أو كبيرة لعدة اعتبارات. أولها أنها تعقد بدعوة من إدارة أمريكية شارفت على الرحيل، وبالتالي لا يتوقع أن تكون قادرة على اتخاذ قرارات يترتب عليها تغييرات جوهرية في النظام المالي العالمي وستكون الإدارة الأمريكية القادمة، وغير الممثلة في هذا اللقاء، هي الوحيدة المخولة والقادرة على اتخاذ أي قرار من هذا النوع. وللإدارة الأمريكية الحالية منطلقات أيديولوجية تتعلق بحريات الأسواق والتدخل الحكومي يجعلها مقاومة لأي تشريعات جديدة تحد من هذه الحريات وتزيد الرقابة على المؤسسات المالية، كونها ترى أن قوى السوق كفيلة بضمان سلامة أداء مختلف مؤسسات الاقتصاد دون حاجة لتدخل حكومي يعوق نموها ويقيده. وأخيراً فإن هذه الأزمة الأمريكية تسربت آثارها إلى الاقتصادات الأخرى بفعل الترابط الكبير بين الاقتصادات العالمية وضخامة ومحورية الدور المالي الذي يلعبه الاقتصاد الأمريكي عالميا، ما يجعل من الضروري جداً أن يكون الحل أمريكياً أيضا، وأن تصبح الإجراءات المتخذة داخل الولايات المتحدة نفسها أكبر أهمية من أي إجراء يمكن اتخاذه على المستوى الدولي. إلا أن المشكلة الأكبر في نظري هي أن أولويات هذه القمة لم تكن مناسبة، كونها ركزت على القضايا الأقل إلحاحاً وأهمية فيما يتعلق بهذه الأزمة التي تعصف بالاقتصاد العالمي. فالحرص والتحفز العالمي لدراسة الإجراءات والتعديلات التي يجب أن تجرى على النظام العالمي والتطوير المطلوب اتخاذه في أدوار ومهام المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما يبدو منه كما لو أن هناك إمكانية حاضرة لتكرار هذه الأزمة المالية بعد أشهر، ما يستدعي ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة تساعد على تفادي ذلك، بينما الواقع أنه ليس هناك أدنى إمكانية لتكرار هذه الأزمة في المستقبل المنظور حتى في حال عدم إجراء أي إصلاح للنظام المالي العالمي، وقد تمر سنوات عديدة بل حتى عقود قبل أن تحدث أزمة مشابهة. فالمؤسسات المالية والسلطات المالية والنقدية في أرجاء العالم استوعبت الدرس تماما، ولن تسمح بتكرارها وستكون أشد حذراً وتقديراً للمخاطر مستقبلا، والمشكلة الآن هي العكس، أي أن تصبح المؤسسات المالية حذرة أكثر مما يجب فتحد من إقراضها وتصبح متشددة في ذلك بصورة مبالغ فيها جدا، ما يعوق النمو الاقتصادي ويفاقم مشكلة نقص السيولة التي تواجه مختلف المؤسسات الإنتاجية التي تعتمد بصورة كاملة على توافر الائتمان في إدارة شؤونها وتمويل عملياتها المختلفة.
ما يجعل هذا الاستعجال والحرص الشديدين على إصلاح النظام المالي العالمي ليس فقط غير مبرر وإنما أيضا قد يأتي على حساب القضية الأهم والأكثر إلحاحا، وهي الإجراءات الواجب اتخاذها من قبل الاقتصادات الأكبر في العالم سواء بشكل جماعي أو بصورة منفردة للإسهام في الحد من حدة وقوة الركود الاقتصادي الذي سيتعرض له الاقتصاد العالمي جراء هذه الأزمة. ولعل التخبط الواضح والصعوبة الكبيرة التي واجهتها الإدارة الأمريكية في تنفيذ خطة الإنقاذ التي مر على إقرارها الآن ما يزيد على شهر بتكلفة بلغت 700 مليار دولار، يظهر التحديات التي تواجه السلطات المالية في العالم في اختيار أفضل السبل المناسبة للتعامل مع هذه الأزمة، فقد وجدت وزارة الخزانة الأمريكية صعوبة كبيرة في تنفيذ خطتها الأصلية القائمة على شراء ديون الرهن العقاري المتعثرة، ما اضطرها الأسبوع الماضي إلى الإعلان عن تحويرها إلى خطة مماثلة للخطة البريطانية، أي شراء أسهم في المؤسسات المالية المتعثرة توفر رساميل إضافية لها تمكنها من معاودة الإقراض من جديد.
وفي ظل هذا التخبط العالمي في التعامل مع هذه الأزمة وانشغاله بقضايا خلافية وأقل إلحاحاً، فإن الاقتصاد العالمي يمكن أن ينجرف في ركود اقتصادي أكثر حدة مما كان متوقعا، ولن يسهم تأخر السلطات المالية والنقدية في الاقتصادات العالمية الكبيرة في التصرف السريع والحازم وانشغالها بأمور ليست ملحة ولا مستعجلة إلا في مفاقمة المشكلة وتعظيم الثمن الذي سيدفعه الاقتصاد العالمي جراء هذه الأزمة التي تتطلب قرارات عاجلة تجنب الاقتصاد العالمي تداعياتها لا الانشغال بمحاولة تفادي تكرار حدوثها، فهذا أمر لن يحدث مطلقا حتى لو لم يتخذ أي إجراء لإصلاح النظام المالي العالمي، فالدرس القاسي جدا استوعبه الجميع دون أدنى شك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي