رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


العودة إلى حاجز الخمسين

الخمسون المشار إليها تتمثل في عودة سعر برميل النفط إلى 50 دولارا، وهي العتبة التي تجاوزها قبل عامين تقريبا وشكلت حاجزا نفسيا من ناحية، كما وضعت الأساس لتخطي 60 و70 دولارا، بل وحتى 100 دولار للبرميل مطلع هذا العام، كما حدث في خطوة رمزية في أول أيام التعامل في كانون الثاني (يناير) الماضي، ومن خلال عملية مغامرة قام بها أحد صغار المتعاملين الذي دخل التاريخ على أساس أنه الشخص الذي دفع بسعر برميل النفط لتخطي عتبة 100 دولار رغم أنه خسر في العملية نحو 600 دولار.
ومثلما دفعت عوامل مثل زيادة الاستهلاك ومن ثم الطلب العناصر الجيوسياسية ببعديها الأمني والاستراتيجي، واحتمال حدوث انقطاع في الإمدادات، إلى جانب الدور الذي لعبه المضاربون في رفع سعر البرميل إلى القمة التي بلغها في تموز (يوليو) الماضي، فإن الأزمة المالية التي تحولت إلى كساد عالمي مع التأثير لسعر برميل النفط المرتفع بدأت تفعل فعلها، ما أدى إلى تراجع سريع في سعر البرميل أكد على القاعدة القديمة أن لكل فعل رد فعل مساو له في القدرة ومضاد له في الاتجاه. وها هو سعر البرميل يتراجع بالسرعة القياسية نفسها التي ارتفع بها.
وهذا الوضع هو الذي دفع منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) للاجتماع بصورة سريعة الشهر الماضي واتخاذ قرار بخفض مليون ونصف مليون برميل يوميا، بل وهناك أخبار عن اجتماع ثان في أواخر هذا الشهر، وذلك قبل الاجتماع الدوري الذي ستستضيفه الجزائر الشهر المقبل.
ولا يتعلق الأمر بمجرد تراجع سعري، وإنما لأن هذا التراجع وصل إلى مرحلة خطرة. ففي بعض التقديرات أنه قارب المعدل الذي أقيمت على أساسه موازنات الدول الخليجية، وهي في النهاية صاحبة أقل التقديرات فيما يتعلق بدور النفط في موازنات الدول الأعضاء في (أوبك)، أي أن دولا مثل إيران، فنزويلا، ونيجيريا تضع في العادة تقديرات للعائدات من مبيعات النفط تتجاوز تلك الخليجية، لأن الأخيرة تتمتع ببعض الفوائض المالية التي توفر لها احتياطيات يمكن اللجوء إليها كما أن عدد سكانها أقل.
ولا تقتصر الإشكالية على التراجع السعري فقط، وإنما في التقلبات المصاحبة، وهو عامل عدم وضوح ويقين يسهم في تعقيد صورة معقدة أساسا، فالتقلب في حدود 5 إلى 10 دولارات يوميا يكاد يصبح حقيقة ثابتة، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان التخطيط حتى للعام المالي المقبل، ناهيك عن المستقبل.
على أن المفارقة فيما تشهده السوق حاليا أنه رغم التراجع السعري، الذي يفترض أن يصب في مصلحة المستهلكين خاصة، والعالم خاصة الغربي منه يعاني أزمة مالية، إلا أن هناك مؤشرات عديدة بدأت تصب في الجانب الآخر من الصورة وتتلخص في أن بذور الأزمة النفطية المقبلة قد بذرت فعلا، وهو ما اتضح في التحذير الذي أطلقته الوكالة الدولية للطاقة في تقديرها حول وضع السوق حتى عام 2030.
الوكالة التي تقدم النصح للدول الصناعية المستهلكة الرئيسية تتوقع أن يبلغ الطلب على النفط في ذلك الوقت نحو 106 ملايين برميل يوميا، وهو ما يقل بنحو عشرة ملايين برميل عن توقعاتها للفترة ذاتها العام الماضي. صحيح أن معظم الطلب على النفط يأتي من الدول النامية بقيادة المجموعة الآسيوية وعلى رأسها الصين والهند، لكن بما أن سوق النفط أصبحت سوقا عالمية بامتياز، فإن أي سعر للبرميل ينعكس على أي سوق بغض النظر عن حجم استهلاكها الفعلي.
ولمقابلة هذا الطلب هناك حاجة إلى استثمارات ضخمة قد تصل حتى عام 2030 إلى أكثر من ثمانية تريليونات دولار، وهو ما يتطلب العمل منذ الآن إلى زيادة الإمدادات. وهذه هي الوضعية التي وصفها تقرير الوكالة المشار إليه أنه لا يمكن تقبلها سواء من الناحية البيئية، أو الاقتصادية أو الاجتماعية.
فترة العقود الثلاثة الماضية شهدت تتالي دورات صعود وهبوط للسوق النفطية، وأن دورة الصعود تبذر بذور دورة الهبوط والعكس صحيح. حديث الوكالة الذي يأتي في خضم التراجع الكبير للأسعار يعني أن المطلوب هذه المرة معالجة مختلفة تضع على رأس أولوياتها أخذ عامل العولمة، وأن المسؤولية جماعية بين المنتجين والمستهلكين، وليس أدل على ذلك من أنه في الوقت الذي يشهد فيه سعر البرميل أكبر تراجعاته تتزايد الحاجة إلى استثمارات طويلة الأمد في مشاريع يفترض بدء العمل فيها الآن لتوافر احتياجات السوق في المستقبل.
العبء يقع في النهاية على شركات النفط الوطنية لأنها صاحبة الاحتياطيات الأكبر، لكن لدى المستهلكين مسؤوليات أخرى تتمثل في الإسهام بتوفير الاستمارات وفوق هذا العمل على توضيح الصورة فيما يتعلق بحجم الاستهلاك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي