سلوكيات طلبة مدارس تحفيظ القرآن وأخلاق القرآن: دعوة للتقارب
إذا كان المنهج النبوي في التعامل مع القرآن مبنيا على الوصف الجليل لخلقه صلى الله عليه وسلم "كان خلقه القرآن"، فهل أخلاقيات طلبة مدارس تحفيظ القرآن مستقاة من الكتاب الذين يحفظونه؟
لا شك بأن قراءة كتابة الله يشترك فيه حتى أصحاب الفكر المتطرف كالخوارج، كما في حديث "يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم, يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية, هم شر الخلق والخليقة". فالقرآن لم ينزل الله للقراءة فقط بل للعمل والتخلق بأخلاقه، كما وصف عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، كيف كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يتعاملون مع القرآن حين قال "كنا لا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نتعلم ما فيها من الأحكام ونعمل بها فتعلمنا العلم والعمل معا".
أعود مرة أخرى للسؤال نفسه ولكن في سياق آخر، فأقول هل انعكست قراءة القرآن على سلوكيات طلبة مدارس تحفيظ القرآن الكريم؟ هل يتميز طلبة تحفيظ القرآن بأخلاقيات قرآنية؟ أم أن مجرد الاختلاف على غيرها من المدارس بزيادة الحصص المقررة لقراءة القرآن الكريم؟
قد لا نختلف على أهمية وجود مدارس تهتم بتدريس القرآن الكريم، لكن واقعها هل يعكس المخرجات المتوقعة منها؟
بعد متابعة لوقعها استمر لمدة أربع سنوات، أجد أن مدارس تحفيظ القرآن تحتاج إلى إعادة تأهيل على مستوى مدرسيها ومناهجها وعلى المستوى التنظيمي بصورة عامة.
فعلى مستوى المدرسين نجد أن بعض مدرسي تحفيظ القرآن ينتقد وسائل الترفيه نقدا سلبيا. فالألعاب الإلكترونية ووسائل الترفيه - في فكرهم - صنعت من أجل الكيد لأبناء المسلمين وإشغالهم. فأعداء الدين يتآمرون على هذا الدين ويفسدون سلوكيات أبنائه عبر ترويجهم هذه الألعاب الإلكترونية. قد لا نختلف في خطر الأكثر من الألعاب الإلكترونية، لكنها حتما لم تصنع لإشغال أبناء المسلمين فقط. كما أن بعض المدرسين لا يزرعون في حس الناشئة قيما تربوية أسلامية تؤهلهم للمشاركة في التنمية والتعايش وفق النظام المدني الحديث. بل يزرعون شعورا سلبيا للطلبة تجاه كل ما يجري حولهم، فكل ما يجري حولنا يدار وفق نظام صهيوني يشعر الطلبة بالعجز والإحباط، لأن طريقة التوجه، كما يخبرنا علماء التربية، في حالات كثيرة أهم من التوجيه نفسه.
البعض الآخر من المدرسين لا يعزز الانتماء الوطني. فأبناء القبيلة التي ينتمي لها المعلم يعاملون وكأنهم وصلوا إلى مرتبة اليقين المعروفة لدى المتصوفة. فتقييم الطلبة له اعتبارات غير أكاديمية وغير تربوية. فأبناء القبيلة التي ينتمي لها المعلم يتغاضى عن أخطائهم. فينشأ الطالب وقد زرع في ذهنه أن تحصيله العلمي والسلوكي ليس المحور الذي تدور حوله العملية التربوية، وأن القبيلة هي محور الولاء والتقييم.
في الجانب المقابل، نجد أن تعزيز السلوك القرآني لدى حامل القرآن مهمل. ففاقد الشيء لا يعطيه. فإذا كانت سلوكيات بعض المدرسين تعزز السلوكيات والتوجيه السلبي، فكيف نتوقع من طلبة مدارس تحفيظ القرآن أن يتقيدوا بالسلوك القرآني؟
وزارة التربية والتعليم في حاجة ماسة إلى وضع آلية حقيقة لاختيار مدرسي تحفيظ القرآن الكريم بحيث يكونون قدوة حقيقية للطلبة. لذا فإن اختيار مدرسي تحفيظ القرآن يجب أن يكون وفق اختيارات وتأهيل مدروس. فمن هنا فإني أجد أنه من الضروري أن يكون اختيار مدرسي تحفيظ القرآن وفق لجنة متخصصة ترعى الجوانب الفكرية والعلمية والسلوكية لمدرسي مدارس تحفيظ القرآن. فقد ذكر لي بعض مدرسي مدارس تحفيظ القرآن أن اختيار المدرسين كان يتم عن طريق لجنة تتبع التوعية الإسلامية، لكن الاختيار الآن يتم بطريقة عشوائية، ما أثر سلبيا في جودة مدرسي مدارس تحفيظ القرآن الكريم.
أما على المستوى التنظيمي، فلا شك أن وجود مكافأة مالية يتلقاها طلبة مدارس تحفيظ القرآن حفزت بعض الآباء للمسارعة في إلحاق أبنائهم بمدارس تحفيظ القرآن من أجل تحقيق مكاسب مادية بحتة. فبعض الآباء حريصون على تدريس أبنائهم في مدارس تحفيظ القرآن من أجل المكافأة التي يجنيها أبناؤهم. فكيف نتوقع من الطالب أن ينشأ وفق السلوك القرآني وهو يتلقى توجيها سلبيا من البيت والمدرسة؟
أما على مستوى مناهج مدارس تحفيظ القرآن فينقصها تركيزها على زرع التخلق بأخلاق القرآن كهدف أساسي لحملة القرآن الكريم. الملاحظ أن التعامل مع مادة السلوك كمادة غير أساسية في تقييم الطلبة. فيجب أن يعزز السلوك القرآني كمادة أساسية وأن يكون هناك مدرسون قادرون على زرع السلوك القرآني كقدوة يراها الطلبة على أرض الواقع.
لا شك أن تأهل خريجي مدارس تحفيظ القرآن مهم جدا، خصوصا أن طلبة التحفيظ هم أقرب من غيرهم لأن يكونوا أئمة المساجد مستقبلا. فالتوجيه المتزن لطلبة مدارس تحفيظ القرآن الكريم سيساعد على تشكيل قاعدة لأئمة مساجد مؤهلين تأهيلا قرآنيا حقيقيا. فإذا كانت رغبتنا صادقة في تأهيل أئمة المساجد، فإن تأهيل طلبة ومدرسي.