قمة العشرين .. هل تنهي الأزمة؟
عقد مطلع هذا الأسبوع في البرازيل اجتماع وزراء مالية ورؤساء البنوك المركزية لمجموعة العشرين التي تضم في عضويتها عشرين دولة من دول العالم المتقدمة والناشئة ومن ضمنها المملكة العربية السعودية تمهيداً لقمة واشنطن التي يشارك فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظة الله، التي يتوقع أن تعيد صياغة النظام الاقتصادي العالمي. ستركز القمة بالطبع على موضوع الساعة وهو الأزمة المالية العالمية التي ألقت بظلالها على جميع اقتصادات العالم دون استثناء وشل على أثرها النظام المصرفي العالمي لسبب بسيط هو افتقاد الثقة الناتج عن سوء استغلال لحرية السوق.
وكان وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية للمجموعة قد اتفقوا على ضرورة إعادة صياغة النظام الاقتصادي العالمي بإنهاء هيمنة اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على الساحة الاقتصادية العالمية وإعطاء دور أكبر للاقتصادات الناشئة للمساهمة في ترتيب الاقتصاد العالمي. كما اتفق المجتمعون على ضرورة أن يتم إعادة بناء مؤسسات بريتون وودز وبالتحديد صندوق النقد الدولي وإعطاء تمثيل أكثر لاقتصادات الدول الناشئة في إدارة الصندوق الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية.
الوضع الحالي الذي وصلت إليه الأزمة المالية سيمثل تحدياً كبيراً لجميع قادة الدول المشاركة في اجتماع واشنطن خصوصاً الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية التي أشعلت فتيل الأزمة وأوروبا التي زادت من سعيرها، مما يرتب عليهما مسؤولية كبيرة للإذعان إلى مطالبات الاقتصادات الناشئة بضرورة إعادة ترتيب النظام المالي العالمي بفرض مزيد من القيود على النشاطات الاستثمارية، خصوصاً نشاط صناديق التحوط التي تتجاوز الـ 8000 صندوق في الولايات المتحدة وحدها وتتميز بدرجة عالية من الحرية في إدارة استثماراتها. وهذا دعا المسؤولين الأمريكيين إلى المناداة بألا تكون هذه الأزمة ذريعة للحد من حرية الأسواق، وهنا ينبغي وضع خط فاصل بين ما يمكن تعريفه على أنه حرية أو عبث بقوى السوق التي يقوم بها المضاربون في صناديق التحوط.
السؤال الذي دائماً يدور في ذهن المحللين وخبراء الاقتصاد وصانعي السياسة الاقتصادية: هل يا ترى انتهت أسوأ فصول الأزمة المالية العالمية أم أنها بدأت للتو؟ مهما طرح من إجابات أو محاولات للإجابة عن هذا التساؤل فلن تكون أكثر دقة من الأحداث اليومية التي تشهدها الأسواق العالمية. هذا الأسبوع كان قاسياً على مختلف الأسواق العالمية ومن ضمنها أسواق دول مجلس التعاون في ظل تزايد المخاوف من امتداد جذور الأزمة لهذه الاقتصادات التي استمتعت خلال السنوات الست الأخيرة بحلاوة ارتفاع أسعار النفط. وهاهي أسعار النفط تتهاوى من قمتها (150 دولاراً للبرميل) التي بلغتها خلال الصيف الماضي إلى 55 دولاراً للبرميل.
الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ما زالت تئن بشدة من آلام الأزمة المالية حيث أعلن عملاق التمويل الإسكاني فاني ماي - والذي عمل لمدة تجاوزت السبعين عاماً على صناعة سوق التمويل الإسكاني – عن خسائر قدرت بـ 29 بليون دولار عن الربع الثالث من هذا العام. مما يتوقع أن يستدعي تدخلاً من وزارة الخزانة الأمريكية باستخدام جزء من الـ 100 بليون دولار التي فوضها الكونجرس باستخدامها الصيف الماضي لدعم المؤسستين الإسكانيتين فاني ماي وفريدي ماك عند الحاجة إلى ذلك. السؤال المحير ما عمق تأثير هذه الخسائر في قطاع التمويل الإسكاني وكيف سيتأثر قطاع الائتمان المصرفي المشلول بهذه الخسائر المتزايدة يوماً بعد يوم.
تحول آخر شهدته الساحة المالية العالمية بتحول مؤسسة البطاقات الائتمانية أميركان إكسبرس إلى بنك ليتمكن على هذا الأساس من الحصول على تمويل من أموال دافعي الضرائب التي يوفرها الاحتياطي الفيدرالي. وفي هذا تتبع "أميركان إكسبرس" العريقة كلا من مورجان ستانلي وجي بي مورجان في عملية التحول تلك التي مثلت إعلاناً لإعادة تشكيل فعلية للنظام المالي الأمريكي. بالطبع هذا التحول لن يمر دون مقابل ولكن سيترتب عليه إلزام هذه المؤسسات المالية بالالتزام بقواعد وقوانين أكثر تشدداً حماية لأموال المودعين.
والأزمة وإن طالت في البدء المؤسسات المالية إلا أنها الآن تنثر سعيرها على الشركات الكبرى كجنرال موتورز وجنرال إليكترك وغيرها من الشركات الصناعية. حيث أعلنت شركة جنرال موتورز أنها ستواجه صعوبة كبيرة في الالتزام ببعض ديونها إلى لم تتحصل على تمويل لمساعدتها على تجاوز مشاكلها المالية. ويمثل ذلك معضلة بالنسبة لمقرري السياسة الاقتصادية الأمريكية إذ إن توفير التمويل لمثل هذه الشركات يمثل خرقاً لأنظمة البنوك المركزية التي توفر التمويل من خلال نوافذها مع الأخذ في الاعتبار تحديد معدلات المخاطر لاستثمارات المؤسسات المقترضة التي تكون عادة بنوكا تجارية.
إن الأزمة المالية العالمية الحالية فريدة من نوعها والعالم ينتظر بشوق نتائج مقررات قمة العشرين التي ستعقد في واشنطن. ومشاركة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في هذه القمة سيكون له أثره في صياغة النظام الاقتصادي العالمي والذي نتوقع أن يضع للمملكة دور أكبر في الخريطة الاقتصادية العالمية.